بحثاً عن «الاستقرار والإصلاح»

 

أحمد محسن

في عام 1986 أصيبت سوريا بـ«إفلاس مالي». يذكر الكاتب السوري سمير العيطة تلك الفترة جيداً، لذلك، اختار أن يبدأ محاضرته، في مركز عصام فارس للدراسات اللبنانية، عن «الاستقرار والإصلاح في سوريا» من ذلك العام. كان الإفلاس الثمانيني بمثابة «الباراشوت» التي حملت فكرة الإصلاح إلى سوريا. قبل ذلك العام لم يكن الأمر وارداً. كانت «رأسمالية الدولة» تنطبق إلى حدٍّ كبير على طبيعة النظام الاقتصادي في «بلاد البعث».

وإذ نتحدث عن الإصلاح، لا بد من الإشارة إلى بدء التوجه إلى القطاع الخاص. أنتجت تلك الخطوة تفاعلاً بين رجال الأعمال والصناعة من جهة، وأجهزة الحكم من جهة أخرى في عهد الأب، على عكس إصلاحات عهد الابن التي اتسمت بالاستجابة إلى الضغوط الخارجية. أشار العيطة إلى أن الفترة الممتدة من أوائل التسعينيات إلى عام 1997 شهدت نمواً حقيقياً، لكن مؤشرات التضخم تزايدت. وبين عامي 1996 و1997، حصلت أزمة بين الجهاز الحاكم في السلطة والفئات الجديدة في القطاع الخاص، التي كانت تطالب بالإصلاحات، لكن الرئيس حافظ الأسد لم يحسم الصراع. ترك القرار لنجله.


وذكّر العيطة بالوعود الإصلاحية التي أطلقت في عام 2000 بعد تسلم الرئيس بشار الأسد السلطة و«ربيع دمشق»… حين سُمح بـ«حرية الكلام». حينها، تمثل أول قرار اقتصادي للقيادة القطرية لحزب البعث بتصفية مزارع الدولة في سد الفرات، التي عُدّت غير ناجحة وانتهت بكارثة اجتماعية. برأي العيطة، الخطوة الإصلاحية التالية كانت قرار فتح المصارف الخاصة في عام 2004، ومن ثم تحرير التجارة الخارجية بين عامي 2005 و2006. لكنه لا يرى في ذلك إصلاحاً، وخصوصاً أن جميع هذه الترتيبات حصلت لتصريف ضغط خارجي تعرضت له سوريا على خلفية موقعها السياسي. برأي العيطة، السوريون حموا نظامهم بعد عام 2000، والآن، يطلبون رد الجميل: «القليل من الحرية فقط».


اضطر العيطة أكثر من مرة إلى التمييز بين «المعارضات» السورية، مبرراً التشرذم وغياب مشروع إصلاحي بإعادة التذكير بالطابع القمعي الذي استخدمه النظام للتعامل مع «إعلان دمشق»، وفي الوقت عينه، رافضاً أن يكون للمعارضة «أجندات أجنبية». يرى أن أيّاً من الفريقين، السلطة والمعارضة، لا يملك مشروعاً إصلاحياً حقيقياً بعد. ينتقد خطاب الرئيس الأسد الشهير بعد التحركات الشعبية، الذي جعله جزءاً من الأزمة بعدما كان جزءاً من الحل، لكنه لا يزال يراهن على المعتدلين في السلطة والمعارضة، لوقف «الخيار الأمني». وفي إجابة له عن أحد الأسئلة، لم ينف وجود «سلفيين» أو «مؤامرات».


فرغم تعاطفه الواضح مع حركة الشعب السوري المطالبة بالحرية، يرفض العيطة سقوط الثورات العربية تحت هيمنة الأنظمة الخليجية المتحالفة مع الغرب. برأيه، كمعتدل، الأولوية الآن هي لإيقاف آلة الموت. الإصلاح والدم لا يلتقيان.

أضف تعليق

من قرآن البعث إلى قرآن المبعوث…!؟

 

جهاد نصره

 

لم تعد المراوغة والصمت والتريث مبرراً فقد حان وقت الفرز وتحديد الخيار وخصوصاً أن المشهد المصري أصبح في مرمى البصر وفي منتهى الوضوح حيث راح أهل الثورة الذين نادوا بالدولة المدنية الديمقراطية يعضون أصابعهم بالرغم من الفرح الطاغي بسقوط النظام..! لقد اكتشفوا أنهم أسقطوا الاستبداد السياسي لكنهم ذاهبون إلى استبداد حملة رايات النصوص المقدسة غير القابلة لأي تعديل أو شطب .. وأن ثورتهم بدأت تحتضر الأمر الذي دعاهم يوم أمس 27 / 5 / إلى الإعلان عن جمعة الغضب الثانية..! أهل الثورة أملوا بالدولة المدنية الحق دولة القانون ودولة ( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) فإذا بهم أمام دولة يريدها أهل الشريعة على مقاس عقيدتهم دولة ( يجب من كل بد أن تؤمنوا )..! لذلك، رفض الإسلاميون بكل تنويعاتهم المشاركة في جمعة الغضب الثانية لا بل أدانوا الدعوة وأعلنوا صراحةً أن جمعة الغضب وهي التي أسقطت ـ حسني مبارك ـ صارت باب شرعلى مصر…!؟ 


في سورية بدأت هيمنة نصوص القرآن البعثي كما هو معروف بعد انقلاب الثامن من آذار وخلال نصف قرن من الهيمنة الأحادية المكرَّسة دستورياً تمكنت السلطة بانقلاباتها المتكررة من إزاحة الجميع من الطريق..! ثم عملت لاحقاً على تزيين هيمنتها الكلية بلملمة بضعة أحزاب منشقة على بعضها مشكِّلة منهم تحالفاً كرتونياً أسمته: الجبهة الوطنية التقدمية..! وبهذا الاستفراد كلي الجبروت، أصبحت سورية وطناً بعثياً صرفاً الكلمة الأولى فيه لقرآن البعث وحده لا شريك له..! ومع استمرار هذا الطغيان السياسي فإنه لم يبق أمام غالبية السوريين سوى المزيد من التدين والتحلق حول المرجعيات المذهبية والطائفية..! ثم ومن أجل نيل المزيد من الرضا الشعبي وإغراق القاع المجتمعي في الحضيض اللاسياسي أطلقت السلطة اليد لبناء عدد هائل من المساجد وأقامت مدارس حفظ القرآن والتعليم الشرعي.. ورعت تنظيم عمل الدعاة والأئمة والخطباء عبر وزارة الأوقاف حتى أن القيادة القطرية دافعت صراحةً ومن دون مواربة عن ظاهرة القبيسيات المعروفة..! وفي مثل هذه المناخات كان طبيعياً أن تنتعش الروابط الأهلية والعصبيات والولاءات الدينية والعائلية والمناطقية.. وأن تنتشر سحب المد الديني لتعم أرجاء البلاد وهاهي سلطة الأمر الواقع الهرمة تدفع ثمن سياساتها المداهنة الخرقاء…!؟


طيب: إذا كان أهل البعث ـ حالهم كحال أهل الشيوعية ـ لم يساوموا أحداً على قرآنهم ( غير المقدس ) طيلة خمسة عقود احتكروا خلالها الوطن وثرواته والقضاء وقضاته والإعلام ووسائله فهل يتصورعاقل أن يساوم الإسلاميون على قرآنهم ( المقدس ) وهو الذي ينص بشكلٍ لا لبس فيه على أن المسلمين المؤمنين وحدهم هم أهل الله في أرضه (( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض )) و(( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون )) والصالحون هم المؤمنون من المسلمين لا غير فكيف للذين لم يعرفوا المساواة والحرية في وطن البعث أن يعرفوها في وطن أهل الله: (( إنما المؤمنون إخوة )) المؤمنون فقط..! و(( إن شرَّ الدواب عند الله الذين كفروا )) و(( قاتلوا أولياء الشيطان )) و(( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر )) و(( قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله )).. هاهم في مصر لا يساومون فقد بلعوا كلامهم السياسي التكتيكي المنفتح الجميل الذي أطلقوه في ميدان التحرير أيام الثورة.. وشأن الإخوان والقرآن في أي بلد شأن إخوان مصر.


اليوم، وبعد أن بان الخيط الأبيض من الخيط البعثي الأسود، فإن ما كان حراماً صار حلالاً.. وصارمباحاً وممكناً بل مشروعاً الحديث عن ضرورة إبعاد حزب البعث عن السلطة ـ فهذا شرط تحولها إلى دولة ـ فيصيركباقي أحزاب البلاد..! بما يعني أن قرآن البعث قابلٌ للتعديل والحذف والتغيير الأمر الذي يستنطق الأمل بإمكانية كسرالأحادية الحزبية والتقدم نحو بناء دولة التعدد المنشودة..! في هذه الحالة: ألا يصح سؤال عشاق الديمقراطية ودعاة الدولة المدنية دولة من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وليس دولة حلفائهم الإسلاميين الذين يسمونها مدنية وكيف ستكون مدنية بالرغم من أن الشريعة ستكون مرجعيتها الوحيدة..! هل يصح سؤالهم عن إمكانية تعديل أو حذف كلمة واحدة في القرآن المبعوث..! أو في أن تكون الشريعة واحدة من المرجعيات وليست الوحيدة..! أو حتى إمكانية مراجعة أحكام الله التي يتمسك بها كل أطياف الجماعات الإسلامية في الوقت الذي يتحدث فيه حلفاء الإخوان هؤلاء عن الديمقراطية والحرية وما بعرف شو..؟ ثم هل يحق للبعض من الناس ـ ونحن منهم ـ أن يتساءل عن التصنيف والمصير الذي سيطاله إذا ما تسيّد أصحاب اللحى المشهد وخصوصاً أنهم لم يكونوا من أهل البعث يوماً وهم لا يجدون أن لديهم ( مزايا ) أهل الله في أرضه وهم في الأصل لا يرغبون في ذلك…!؟

أضف تعليق

ميشيل كيلو خائف… على بلده

 

غسان سعود

يوافق المعارض السوري ميشيل كيلو على بعض روايات السلطة السورية عن المسلّحين، ويخشى المستقبل في ظلّ تمسّك السلطة بالحلّ القمعي، الأمر الذي سيحوّل أقلية المؤمنين بالسلاح وسيلة لإسقاط النظام إلى أكثرية. وهذا يهدّد وجود البلد ووحدة شعبه

كلما طُرق الباب، توتر المنزل، وتمتمت صاحبته صلاة، واعتصر القلق فوق قبضة الباب. أن تكوني زوجة ميشيل كيلو يعني أن ينتظر خروجك من عند البقّال غريبٌ ليتحقق مما يحويه التفاح أو الرمان أو الموز الذي اشتريته، وأن يطرق باب بيتك فجأة غريبٌ يقتحم حياتك الخاصة، ويعبث بأغراضك، مصادراً أي شيء يشتبه فيه ويغادر.

منذ اعتقل كيلو أول مرة في السبعينيات، مروراً باعتقاله عام 2006 بحجة توقيعه إعلان بيروت ـــــ دمشق، تتردد في رأسها عبارة: «زوجك متهم (= مدان) بـإضعاف الشعور القومي والنيل من هيبة الدولة وإثارة النعرات المذهبية». كأنهم يقولون لها: توتري أكثر، ولن تكفيك لتشغلي رأسك بغير القلق ـــــ ما دام زوجك ناشطاً سياسياً – شرفة المنزل المطلّ على «جناين الورد» قرب دمشق القديمة، ولا تفاؤل عيني زوجك.


يكاد الدم ينفر من عروق ميشيل كيلو. تضع زوجته القهوة على طاولة الصالون الصغير المسوّر بالكتب، فيما هو يتذكر انفعالها قبل بضعة أيام، وتنبّهه إلى تنفيسه عمّا يختزنه مرة في مقال ومرات في دردشة، فيما هي تعض على جرح الطوارئ حتى تحرير… فلسطين. من النهاية سأبدأ، يردّد كيلو بانفعال: «يقولون لا إصلاح بلا أمن. ونقول لا أمن بلا إصلاح».


رغم تأكيده أن الاحتجاجات شجرة تعب مع الآخرين في زراعتها، يشير إلى دهشته لحجم ما يحصل ونوعيته ووعي المشاركين. «كاد شباب الفايسبوك يقتلون أنفسهم بحثاً عن بو عزيزي. لم يتوقعها أحد من الريف رغم انتباه البعض إلى سماح النظام (من باب الغباء) لذراعه الاقتصادية بتقويض قاعدته الاجتماعية المتمثلة في الريف». وبحسبه فإن الاحتجاج زحف من القرى البعيدة إلى المدن الصغيرة والمتوسطة فالأحياء المحيطة بقلب العاصمة دمشق. «هذا زمن عربيّ جديد. غير صحيح أن هناك من هو معصوم. غير صحيح أن نظام مبارك كان أوهن من النظام السوريّ. وغير صحيح أن عنوان الممانعة يعوض الشعوب عن حقوقها. يريد الناس حرية وعدالة اجتماعية».


يعرض كيلو أدلّة التواصل والتنسيق مع المحتجّين في أكثر من منطقة، مشيراً إلى تلاقي المثقفين مع المحتجين على الإصلاح، وانفصالهم عنهم حول إسقاط النظام. فمطلب المحتجين الأخير يحمل، بالنسبة إلى كيلو، «عواقب فادحة تهدّد وجود البلد ووحدة شعبه». لكن كيلو لا يقطعها مع المحتجين. يقول إن التغيير في النظام يمكن أن يوصل المحتجين في النهاية إلى نظام يختلف عن الذي يحكمهم اليوم فيكونون قد أسقطوا النظام الحالي ـــــ بما هو نظام لا رئيس ـــــ وأتوا بنظام جديد.


هذا في ضفة المحتجين والمثقفين. في الضفة المقابلة، يتابع كيلو: «هناك سلطة ترفض الإصلاح الجدي والتغيير، وتصر على أن تعيد بنفسها إنتاج نظامها، متّكلة على الهيبة البوليسية. يتناسون أن القضاء على 500 مسلح داخل مدينة حماه قبل مجزرتها الشهيرة استغرق ثلاث سنوات، وانتهى بتلك المجزرة في بداية الثمانينيات. يتجاهلون خسارتهم يوماً تلو آخر علاقاتهم الإقليمية والدولية، ولا يفكرون بطبيعة العلاقة التي ستربطهم غداً بشعبهم إذا نجحوا اليوم في قمعه».


يخشى كيلو انهيار كل شيء، وبحسبه فإن مضي السلطة في استراتيجيا «الحل الأمني» يسحب أوراق التفاوض السياسي من أيدي المثقفين، ويعزز احتمالات الفوضى. وحرفياً يقول ابن اللاذقية الدمشقيّ: «هناك اليوم من لجأوا إلى السلاح في مواجهة السلطة. لكن هؤلاء لا يزالون أقلية وسط المحتجين. أما إذا استمرت السلطة على نهج العنف فسيصبحون أكثرية». وبحسب أرقام كيلو فإن نحو 13 ألف سوري «يجاهدون» اليوم في العراق سيكتشفون أن بلادهم أولى بخدماتهم، فضلاً عن حدود مفتوحة لكل أشكال التهريب مع العراق والأردن ولبنان وتركيا.


في النتيجة، ليس في هذا المنزل نيات مغامرة بالوطن ووحدة الشعب. ثمّة رجل يلحّ في طلب الحوار منذ أكثر من عشر سنين. وفي اعتقاده أن الفاعلين بين المحتجين ليسوا أغبياء، ولن يجرّوا البلد إلى الخراب إذا قدمت السلطة حلّاً يقنع الشعب، فتنتقل من محاولتي الضحك عليه إلى تقديم ضمانات تغييرية جدية، أول مظاهرها الإفراج عن التعددية الحقيقية بدل تعددية الواحد الممثلة بالجبهة الوطنية التقدمية التي تضم وجوهاً حزبية متعددة لعملة سياسية واحدة. ويلفت كيلو هنا إلى نقطة مهمة: أقرب المسؤولين السوريين من النظام، وحتى بعض عناصر النظام يعلنون اليوم تأييدهم لإلغاء قانون الطوارئ في البلاد والمادة الثامنة من الدستور، ويؤيدون إقرار قانون أحزاب وإعلام وإجراء انتخابات نيابية وبلدية. وبالتالي يعترف هؤلاء بأن أسس النظام القائم لم تعد بنافعة ولا بدّ من التغيير.


بعد أربعين عاماً، قال كيلو لمستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان، في دردشتهما قبل نحو أسبوعين: لا يمكنكم القول أو حتى التفكير أن لا شيء يوجب التغيير بالنسبة إلى النظام المستمر في إدارة البلاد تماماً كما كان يفعل قبل أربعة عقود. قال لها أيضاً إن مصر عائدة إلى العالم العربي لتملأ فراغاً حاول الإيراني والتركي أن يملآه في غيابها، وثمة أزمة عاصفة محلياً اجتماعية ـــــ اقتصادية ـــــ ولا بدّ من خيارات داخلية وخارجية جديدة.


باختصار، «تعاني سوريا اليوم أزمة تكوينية تتعلق بتوزيع الدخل الوطني، العدالة الاجتماعية، الحرية والمشاركة السياسية. وهذه جميعها لا تحل بالقمع. الأمن يقبض على قاتل وسارق ومهرب لا على جوعان يريد أن يأكل. هذه تعالج بتوافقات وشراكة جديدة بين السلطة والشعب ينتج منها بناء أسس جديدة للحياة العامة».


ينتقل كيلو إلى كنبة أخرى. أصابعه، كفه، ذراعه لا تهدأ أثناء حديثه. الانفعال سمَته. كل التجارب التي سبقت كانت تمهيداً، اليوم يعيش القلق الحقيقيّ على وطنه. يعجز عن فهم العقل القمعي. يقوم إلى كتب ومقالات تمتلئ بالعبر، من تجارب مكونات الاتحاد السوفياتي إلى مصر واليمن. تتسلل السوداوية إلى عينيه: «كل ما دق الكوز بالجرة يصل رجال الأمن، احتمال وارد جداً أن يقرروا اليوم أو غداً جرّنا جميعاً إلى السجون».


دمشق ـــــ جناين الورد. «حينما ترى «ساعة» معطلة في الساحة العامة لمدينة فاعلم أن «زمنها» أيضاً معطل لا ساعتها فقط»، قالت ذات يوم ابنة دمشق غادة السمّان. عفواً، يقول مثقفو دمشق.

أضف تعليق

كيف نوفّق بين استمرار التحركات الاحتجاجية والنجاة من فخ الحرب الأهلية؟

 

 

غسان سعود | الأخبار

 

يحتدم في سوريا النقاش اليوم، على مختلف المستويات، لتحديد النقطة التي يقف عليها السوريون اليوم وملامح المستقبل. في هذا التقرير يفكّر بعض المشاركين في الاحتجاجات التي تشهدها المناطق السورية بصوت عال

بعد الـmissed call تسرع خطواته مسابقة خياله وتعرجات الزواريب في أحياء دمشق القديمة. Missed call أخرى ويفتح باب ضخم وسط الجدران التي ملستها القرون الخشنة، لتطل ابتسامة سيدة البيت مرحّبة بضيفين إضافيين.


في الداخل، يجتمع ستة عشر شخصاً: أربعة منهم يشاركون في التحركات التي تشهدها بعض المناطق السورية، اثنان يقصران نشاطهما على العالم الافتراضيّ، أربعة من المثقفين التقليديين كان لهم دور في ربيع دمشق الأول. مسؤولان بارزان في الحزب السوري القومي الاجتماعي (جناح عبد المسيح)، سيدة البيت وابنتها، وسيدتان أنيقتان متحمستان لـ«الثورة».

شارع متنوّع يسبق الجميع

في البداية، اتفاق على أنّ المجتمع السوريّ يزداد تسييساً يوماً تلو آخر: «غير صحيح القول إنّ المواطن السوري غير معنيّ بما يحصل في بلده. غير صحيح أنّ المواطن يصدّق كل ما تقوله السلطة ولا يجرؤ على التشكيك في بعض الروايات الخرافية. غير صحيح أنّ ما بدأ في سوريا انتهى أو في طريقه إلى نهاية سريعة. غير صحيح أنّ الحوار بين المحتجّين والسلطة قد بدأ، وغير صحيح أنّ العلاقة مقطوعة بين المحتجّين من جهة والمثقفين والأحزاب المعارضة تاريخياً لحزب البعث من جهة أخرى».


يحاولون تشخيص التحركات حتى الآن. إجماع مبدئي على أن «الشعب سبق المثقفين والأحزاب و… توقعات السلطة، ولا يمكن أحداً في السلطة وبين مناوئيها، ادعاء المونة على الشارع أو القدرة على لجمه». في هذا الشارع، يشير أحد الشبان المواظبين على المشاركة في احتجاجات الميدان الدمشقي، هناك الإسلامي والشيوعي والناصري والقومي وربما البعثي. وهناك السياسيّ والجائع كما المهرب والمحشش، العلمانيّ والسلفيّ. وقد «تنبهنا إلى محاولة السلطة وضعنا جميعاً في سلّة السلفيين». ماذا فعلوا بعد تنبههم إلى هذه المسألة التي يصفونها بالخطيرة؟ بدأنا إظهار التمايزات، يقول أحد الشبان. كيف؟ «عبر الهتاف لوحدة الشعب السوري أو عبر إعطاء دور أكبر للسيدات أو عبر الأغاني والشعارات التي يطغى عليها الطابع العلماني». وثمّة محاولات جدية في مناطق متنوعة طائفياً «لتأمين الحد الأدنى من التحركات المؤيدة للإصلاح، حتى لا نقول التغيير». مع إشادة الحاضرين بقدرة المحتجّين، ولا سيما في مدينة حمص على الخروج بمسيرات بعيداً عن الجوامع. لكن في النهاية، يقول أحد الكتّاب، لا يمكن التنكر لطبيعة الشعب السوري: «هناك علمانيون ويساريون وتعددية مذهبية، لكن ثمة أكثرية شعبية من مذهب معيّن، فهل المطلوب أن نعلن وقف المطالبة بالديموقراطية حتى يتساوى عدد الولادات بين جميع المذاهب؟». المهم، يتابع أحد الكتاب الأساسيين لوثيقة «إعلان دمشق»، أن «نمنع اصطباغ التحرك باللون الإسلامي المتشدد. وهذا تحقق». يوافقه البعض ويعارضه البعض الآخر.

تجربة مخيّبة وأخرى

يطلب أحد الشبان القوميين (جناح عبد المسيح) الكلام. ينبئ المستمعين بأن تجربته تخالف أحكام المثقفين المسبقة على التحركات بأنها منزّهة عن العواطف المذهبية. ويعرض تجربته الخاصة في إحدى بلدات اللاذقية، حيث «يزداد يوماً تلو آخر النفَس الطائفي ونشوة المحتجين بالتأييد الخارجي ولجوؤهم أخيراً إلى العنف. أسمع كلاماً مخيفاً في سياق اجتهاد المحتجين في التعبئة. أسمع تحريضاً مذهبياً وترقباً مذلّاً للدعم الدوليّ المعنويّ حتى الساعة. وكل ذلك يدفعني إلى التفكير مرتين قبل الاستمرار في المشاركة لأني اليوم أشك بانحراف «الثورة» عن أهدافها السامية، وأصدّق أنّ هناك من اندسّ بين المواطنين الطيبين المطالبين بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لتصفية حسابات سياسية وإقليمية مع النظام». يرفض شاب آخر، يشارك أيضاً في الاحتجاجات هذا الاستسلام. يقول: «علينا المشاركة أكثر في صناعة الحدث لنضيء بأنفسنا النفق المظلم، ونصنع النهاية التي نشتهيها. أنا فاعل في منطقتي وأبذل جهداً إضافياً، سأكون رأس حربة فآخذ الاحتجاج إلى حيث أريد أنا، لا الإسلاميون أو الأميركيون أو غيرهم».
يتفاعل النقاش. يجمعون على أن معارضة الخارج تضرّ كثيراً بمعارضة الداخل، التي يمنعها القمع من إعلان موقف سياسي جامع وواضح. والتحريض على حزب الله؟ جزء من عدة عمل بعض الفضائيات العربية، يقول أحدهم. بينما يشير آخر إلى أن «الحزب سارع إلى الوقوف إعلامياً وسياسياً في صف السلطة، ولم يمدّ يده إلى المحتجين ليبادله هؤلاء بالمثل». وفي النتيجة، يخلص المجتمعون إلى صعوبة انتقال المحتجين في ظل القمع الذي يتعرضون له إلى مرحلة تحديد الثوابت السياسية.

السلطة: لا حوار

يأخذ لجوء المحتجين إلى العنف حيّزاً من النقاش. تحاول إحداهن أن تختتمه بقولها إنها لا تنتظر متظاهراً سويسرياً و«عنف السلطة يستولد عنفاً مضاداً». يشير أحدهم إلى أن الغضب في بداية الأزمة يتحول في ظل عنف السلطة إلى كره يسهم في تكبير «كرة ثلج الاحتجاج أسبوعاً تلو آخر». والأكيد أن السلطة اختارت الاحتراب بدل الحوار. تدخل النكتة مع فناجين الشاي. يقول أحدهم إن شاباً فقيراً دخل مرة على والدته يخبرها أنه سيتزوج ابنة الملك، فوجئت الوالدة بالنبأ، استفسرت أكثر فأخبرها: «أنا وأنت ووالدي موافقون، يبقى أن يوافق الملك والملكة وابنتهما». لا شيء، يترجم أحدهم النكتة، يوحي بأن النظام راغب في حوار حقيقيّ. يستهل المسؤول في الحزب القومي (جناح عبد المسيح) مداخلته بالتعبير عن اعتزازه بأن تصبح «تحيا سورية» محل إجماع. ثم يعرض مواقف حزبه من مطلب الإصلاح منذ الألفين. وقد تمتع رفقاؤه، بحسبه، ببعد النظر. نادوا بالإصلاح حين كان الرئيس السوريّ يتحدث عن التحديث والتطوير. واليوم يكتشف الأسد ضرورة الإصلاح فيما بات التغيير مطلب شعب سوريا. لكن «لا مشكلة، فخير أن تصل متأخراً من أن لا تصل أبداً»، تقول إحدى الصبايا.


تمتمات في الصالون الدمشقيّ. الغالبية مقتنعون بأن النظام لم يبارح بعد «مرحلة تطوير نهجه الأحادي وتحديث أدائه القمعي». و«نخطئ حين نعتقد أن ثمة تفكيراً جديداً»، يقول أحدهم، فيما يتدخّل أحد الذين أعلنت مستشارة الرئيس بثينة شعبان أنها حاورتهم. يصف جلسته مع شعبان بالدردشة لا الحوار. فقد استمعت إلى وجهة نظره ثم ودعته واعدة بفنجان قهوة آخر قريباً. بحسبه، لم تعترف السلطة السورية بعد بوجود فعليّ لآخر تبحث معه في حل سياسيّ للأزمة القائمة. وهي تنتظر سماع مطالب إدارية لا سياسية! السلطة تبحث بين المتحاورين عمّن يرضي تصورها للأزمة، فتتوقع اقتصار المطالب على تغيير مسؤول أمنيّ هنا والسماح بحفر آبار ارتوازية أو بناء مجمع سكني هناك. أما المعارضة فمعظمها يتطلع إلى الحوار بوصفه بديلاً من الشارع في التفاوض السياسي لتحديد موعد انتخابات نيابية حرّة وصياغة قانون أحزاب يراعي التطلعات الشعبية، لا الأمنية والبعثية حصراً. يخلص المجتمعون إلى ما يشبه الاقتناع بأن السلطة لا تنوي ـــــ اليوم ـــــ المحاورة.

انسداد الأفق

أين نقف إذاً؟ لابنة صاحبة البيت موقف: «المحتجّون لا يثقون بأن النظام سيقدم إصلاحات في حال انسحابهم من الشارع، ولا النظام يثق بأن المحتجين سيتراجعون قبل تنحّي الرئيس بشار الأسد، إذا قدم بعض الإصلاحات الجدية التي يعدّها تنازلات». وبالتالي؟ «لا ثقة = لا حوار = لا حل سياسياً».


يوصل ذلك إلى أكثر التحديات التي تواجه التحرك الشعبي في سورية جدية. ففي غياب أي بصيص لحل سياسيّ، تظهر ثلاثة احتمالات للمستقبل: تقمع كل المدن والقرى ويعتقل الآلاف وتفرض حالة طوارئ لم تشهد سوريا مثيلاً لها حتى يصبح الشعب على ذوق حاكمه. أو ينزل مؤيدو النظام لإفراغ الشوارع من المناوئين للنظام فيكون انقسام شعبي يتطور في ظل رفض النظام للحوار إلى صدام فحرب أهلية. أو يقرر المحتجون فجأة العودة إلى حياتهم السابقة فيرضون بما ارتضوه أربعة عقود.


يوافق الحاضرون، حول السياسة وأقراص الكبّة المشوية في بيت تلون الصور والكتب جدرانه، على أن هناك نحو 5% من الشعب السوري يشاركون اليوم في الاحتجاجات. نحو 15% من الشعب يؤلفون البنية الأمنية للنظام، ونحو 80% صامتون وقلقون نتيجة السيناريوات السابق ذكرها.


يطلب أحد المثقفين الكلام «بالنظام». لا تردّ له سيدة البيت أو مديرة الجلسة طلبه، فينطلق: «علينا الاستفادة من وعينا وعلاقاتنا وثقة المحتجين بنا للتفكير بما بعد المطالبة بالحرية، لأن العائق الرئيسي أمام تفاعل المجتمع السوريّ أكثر مع المحتجين هو الخشية من المجهول. فأنا مثلاً على أتم الاستعداد لتدمير النظام، لكني لن أسمح أبداً باهتزاز الدولة». تهتز رؤوس المجتمعين موافقة.
المجتمعون هنا منقسمون بين من يخشى الحرب الأهلية، في حال تصاعد وتيرة الاحتجاج وحجمه في ظل تمسك السلطة بالحل العسكري (ولخشيته حوافز كثيرة)، من يثق بقدرة الشعب على تجاوز فخ الفتنة (ولثقته حوافز قليلة)، ومن يقف ضائعاً بين الاثنين، خائفاً من أن يضيع المكتسبات التي يوفرها النظام الأمني، وأولها الاستقرار.


السؤال الآن: «كيف نطمئن الشعب وأنفسنا ـــــ في ظل استفادة السلطة من منطق «أنا أو الفوضى» لحث المواطنين على البقاء في منازلهم ـــــ إلى أنّ اهتزاز النظام لن يؤدي إلى اهتزاز الدولة أو إلى الفوضى؟». وسؤال آخر: «كيف نحدد النقاط التي تجمعنا لتقديمها على النقاط التي تفرّقنا؟». لا أجوبة جدية أو مقنعة، لكن الجو العام للصالون يشي باكتشاف المجتمعين نقطة ضعفهم الأساسية: «كيف نوفّق بين استمرار التحركات الاحتجاجية والنجاة من فخ الحرب الأهلية؟».


يغرقون في التفكير. يخطف المسؤول القومي حبة حلو عربيّ والدور في الكلام ليؤكد مشاركة حزبه، حيث لديه حزبيون في التحركات، لكن للحزب ثابتة أساسية لا يتخلّى عنها، هي وحدة الأرض والشعب. تقترح إحدى السيدات أن تعمم ثابتة القومي (جناح عبد المسيح) على المحتجين. الكلام في الصالونات سهل.


يستأذن المسؤول الآخر في القومي ـــــ بصفته لبنانياً ـــــ للتدخل في الشؤون السورية. يشير إلى أن التحدي الأساسي أمام المثقفين هو تظهير المحتجين قوةً سياسية، تحسن التعبير عن نفسها، موضحاً أن الضغط الشعبي لم يصل بعد إلى حجم القادر على إسقاط النظام. و«لا بد اليوم من خروج نخبة سياسية تقود، فعدم الانتقال إلى السياسة سيوصل إلى نتيجة كارثية». يوافق الحاضرون، يقول آخر إن على الشارع التأكيد أن الحوارات التي يجريها النظام مع رجل دين هنا، شيخ عشيرة هناك وبينهما بضعة مثقفين، لا تعنيه. ويجب تكثيف العمل تأسيساً لأرضية سياسية، مرتبطة جدياً بالأرض تكون مستعدة لملاقاة النظام إذا قرر إنقاذ نفسه والوطن. ويكشف في هذا السياق أن مسودات أولية لتجمعات سياسية ـــــ شعبية بدأت تجتمع في اكثر من منطقة، متلاقية على مجموعة عناوين. تنضم رئيس تحرير جريدة «تشرين» المُقالة سميرة مسالمي إلى اللقاء. تشدد على وجوب تلاحم المثقفين والأحزاب التقليدية بمعارضتها لحزب «البعث» مع الشارع. و«التفكير أكثر بحل ينقذنا جميعاً، نحن والسلطة».

أضف تعليق

الأمبراطور أوباما ضدّ الشعوب العربية

 

 

        جوزيف مسعد

في عام ١٩٦٠، ألقى رئيس الوزراء البريطاني هارولد ماكميلان خطاباً تاريخياً بعنوان «رياح التغيير»، ألقاه في آكرا أولاً ثم في كيب تاون، معلناً نهاية الاستعمار البريطاني في القارة الأفريقية، ومحذّراً نظام جنوب أفريقيا من مغبة ممارسة سياسات الفصل العنصري. أما في عام ٢٠١١، فقد قرّر الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يختلف معه. فبينما استخدم أوباما عنواناً مماثلاً لخطابه، مشيراً إلى الرياح التي تهب على العالم العربي عبر انتفاضاته ضد الطغيان، أوضح خطابه أن هذه الرياح لم تهبّ على مدينة واشنطن بعد، وربما لن تهب عليها أبداً. وقد عبّر خطاب أوباما الثاني عن العالم العربي، الذي ألقاه في ١٩ أيار/ مايو، عن القدر ذاته من الثبات وعدم التغيير في السياسات الأميركية، الذي عبّر عنه خطابه الأول الذي ألقاه في القاهرة في ٤ حزيران/ يونيو ٢٠٠٩.


وهذا لا يعني أن الخطابين كانا يفتقران إلى الموهبة أو العجرفة الإمبريالية في الإلقاء، بل إن افتقارهما المعهود إلى ما هو أساسي وجديد، فضلاً عن كلامهما المنمق بدرجة كنّا بغنى عنها من الإسهاب، إنما يشيران إلى أن السيطرة على المناخ الإمبراطوري في واشنطن لن «تتغيّر» أبداً، ولا حتى نتيجة رياح الانتفاضات العربية.


إن مشكلة السياسات الأميركية في العالم العربي لا تكمن في إصرارها على بث دعاية أميركية ساذجة قادرة على إقناع الشعب الأميركي بسهولة دون أن تستطيع إقناع أحد خارج حدود الولايات المتحدة فحسب، بل أيضاً في استمرارها في جهلها بالثقافة السياسية العربية، وفي تصميمها على إهانة ذكاء معظم العرب الذين تدّعي أنها تريد مخاطبتهم في خطابات كالتي يلقيها أوباما عليهم.


في العقود الثلاثة الماضية، ما برح القادة العرب المتحالفون مع الولايات المتحدة (بمن فيهم القلة غير المتحالفة معها) يصرّون على إقناع شعوبهم بأن إيران والشيعة والإسلاميين السنّة والشعب الفلسطيني وقضيته العفنة هم سبب شقائهم. وقد كان اختراع هؤلاء كأعداء قد اسُتهل بالخطة الأميركية ـــــ السعودية ـــــ الكويتية للتعاقد مع صدام حسين لشن حرب شاملة على إيران الثورة، التي نصّبوها عدواً لكل العرب. وقد شنّ صدّام هذه الحرب عام ١٩٨١، في سبيل حماية آبار بترول أميركا، التي ذهب ضحيتها مليون إيراني وأربعمئة ألف عراقي. وفي هذه الأثناء، وحتى من قبلها، منذ أواخر الستينيات، أقام لبنان وسوريا والأردن الحرب، ليس على الفدائيين الفلسطينيين فحسب، بل على المدنيين الفلسطينيين أيضاً، الذين نصّبوهم أعداءً لشعوبهم. وشنت مصر السادات حرباً على ليبيا، أما مبارك، فشنّ حربه على إسلاميي مصر، وأتبعها بحربه على الشعب الفلسطيني. وفي عامه الأخير على العرش، أعلن مبارك الجزائر عدوّة لمصر. وبينما تستمرّ السعودية في قمع شعبها بمجمله باسم الوهابية، فإنها لم تتوقف منذ عام ١٩٨٢ عن حياكة الخطط (والمؤامرات) الرامية إلى استدخال إسرائيل في المنظومة العربية. فعندما يروّج الرئيس أوباما للكذبة الإسرائيلية، التي يتجرّعها من مستشاريه الصهاينة في البيت الأبيض (منذ عهد إدارة كلنتون ليس هنالك في البيت الأبيض إلا مستشارون صهاينة عن الشؤون الشرق أوسطية)، بأن «الكثير من قادة المنطقة حاولوا أن يوجهوا مظالم شعوبهم، وأن يحيدوا بها عن مسارها، فألقي باللائمة على الغرب باعتباره مصدر كل العلل رغم مرور أكثر من نصف قرن على انتهاء الاستعمار، كما أضحى العداء لإسرائيل المتنفس الوحيد للتعبير السياسي»، فعن أي قادة يتحدث أوباما؟ عن السادات أم مبارك، أم بن علي، أم ملكَي الأردن حسين وعبد الله الثاني، أم ملكَي المغرب حسن الثاني ومحمد السادس، أم الرئيس بوتفليقة، أم ملوك الخليج وأمرائه، أم رئيسي الوزراء من آل الحريري؟ لا يقتصر الأمر على أنه لا أحد في العالم يصدق هذه الأكاذيب، بل إن تصديق الإدارة الأميركية لهذه الأكاذيب هو ما يفسر فشل سياساتها في منطقة تصرّ على السيطرة عليها، رافضةً أن تتعلم أي شيء عنها.


أما معارضة الولايات المتحدة وإسرائيل، فمن يعتنقها في المنطقة هم الشعوب العربية، لا القادة العرب، الذين لم يتوقفوا عن التأكيد لشعوبهم لعقود خلت أن إسرائيل والولايات المتحدة هما صديقتا العرب. فشعوب المنطقة هم الجهة الوحيدة التي تشدد على أن ما يجعل هذين البلدين عدوّين للعرب هو السياسات الأميركية وسيطرتها على العالم العربي، والعدوان الإسرائيلي المستمر على العرب، بينما يرمي القادة العرب وأجهزتهم الدعائية إلى تحويل الغضب الشعبي تجاه أعداء متخَيَّلين، اخترعتهم الولايات المتحدة للمنطقة، ويقيمون السلام في الوقت ذاته مع إسرائيل. ليست محاولة أوباما إنكار الكراهية، التي يشعر بها العرب تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل نتيجة أفعالهما، إلا تنصّلاً متواصلاً للولايات المتحدة وإسرائيل (لا العرب) من تحمل مسؤولية أفعالهما، وتحميل ضحاياهما مسؤولية العنف المرعب الذي فرضاه على المنطقة. عندما يطالب أوباما وإسرائيلُ العربَ بتحمّل مسؤولية وضع المنطقة، وبألّا يلقوا باللائمة على الولايات المتحدة أو إسرائيل، فإنهما يتهربان من مسؤولية ما اقترفته أيديهما بحق العرب. أما العرب، فها هم يتحملون مسؤولية أنفسهم، وها هم يسعون إلى إسقاط الطغاة الذين دعمتهم الولايات المتحدة وإسرائيل لعقود، وتواصلان دعمهم حتى الآن، فيما الجهة التي ترفض تحمّل المسؤولية هنا، هي الولايات المتحدة وإسرائيل، بينما يواصل خطاب أوباما هذا التقليد العنيد دون كلل.


وفي السياق نفسه، يوبّخ أوباما سوريا لاتّباعها «حليفها الإيراني وطلب المساعدة من طهران في مجال التكتيكات القمعية، وهو ما يفضح النفاق الإيراني». وقد وجب على أوباما أن يوجه التهمة إلى الحكومتين الفرنسية والبريطانية، فضلاً عن حكومته هو، التي تشاور معها نظاما مبارك وبن علي حتى آخر لحظاتهما في السلطة. فقد امتلأت الصحف العالمية منذ شهور بأخبار تعاون الحكومة الفرنسية مع نظامي مبارك وبن علي حتى اللحظة الأخيرة، ولا سيما في المجال «الأمني»، كما كانت الحال مع خبر وجود وزير الدفاع المصري محمد طنطاوي (الذي يرأس اليوم المجلس العسكري الحاكم في مصر) ورئيس أركان الجيش المصري سامي عنان في واشنطن أثناء الانتفاضة المصرية، يتبادلان المشورة مع الحكومة الأميركية عن الطريقة الفضلى لـ«التعامل» مع الانتفاضة الشعبية، هذا عدا ذكر الخط المباشر الآخر بين عدة أجهزة أميركية، حكومية وأمنية، وبين مبارك وعمر سليمان، التي استمرت حتى اللحظة الأخيرة، وبعدها، لكن أوباما يفترض أن العرب حمقى، وأنهم يجهلون حقيقة أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية هما من يدرب ويمول معظم أجهزة الأمن الحكومية في المنطقة. إن كانت مساعدة إيران لسوريا تفضح نفاق إيران، فيبدو أن نفاق فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة ما زال، حسب أوباما، غير مفضوح!


وقد تحدث أوباما عن كيف «يجب أن لا يكون هنالك شك في أن الولايات المتحدة ترحب بالتغيير الذي يدفع بحق تقرير المصير وإعطاء الفرص»، لكنّ إصراره على أن يجري هذا التغيير في ليبيا وسوريا، لا في عُمان والأردن والمغرب والسعودية والبحرين وغيرها من البلاد، هو ما يثير الشكوك بالفعل. إن صمته بخصوص التظاهرات في الممالك (السعودية وعُمان والأردن والمغرب) ونقده الناعم لليمن، الذي سبقت انتفاضته الشعبية انتفاضة ليبيا، يتناقضان بشدة مع حدة انتقاداته لسوريا وليبيا. أما ذكر البحرين الذي جاء متأخراً، فإن دلّ على شيء، فإنما يدل على الجبن وفقدان الشجاعة. فقد جاء تعبير أوباما عن جرأته هذه وكلامه عن الاعتقالات وهدم المساجد الشيعية في البحرين بعد عدة أسابيع من القمع الوحشي والناجح لانتفاضة الشعب البحريني على أيدي قوى خليجية مرتزقة تقودها السعودية وتدعمها وتزودها بالذخيرة الولايات المتحدة. أما في حالة سوريا، فلم يتوانَ أوباما وحكومته عن التعبير عن نقدهما منذ اليوم الأول.


عندما نضع كلام أوباما هذا بجانب وعده بأن الولايات المتحدة ستحافظ «على التزاماتنا مع أصدقائنا وشركائنا»، تتضح الصورة أكثر عن أماكن ونوعيات التغيير الذي تنشده الولايات المتحدة، وعن الأماكن والنوعيات التي لا تنشدها. وقد ذهب أوباما إلى أبعد من ذلك وعدّد الأماكن حيث تنطبق مبادئ أميركا «الأساسية»: في بغداد ودمشق وصنعاء وطهران، إضافةً إلى بنغازي والقاهرة وتونس، لكن ليس في الرياض ولا في المنامة أو مسقط أو عَمّان أو الجزائر أو الرباط.


أما مبدأ أميركا «الأساسي» المزعوم في التسامح الديني والمساواة، فهو أيضاً يجب أن ينطبق على بلدان دون غيرها. فإضافةً إلى تعريفه للعراق، وهو بلد دمرته الولايات المتحدة وأدخلت عليه أفظع أنواع الطائفية الدينية والكراهية الإثنية، بأنه «ديموقراطية متعددة الطوائف والإثنيات»، فإن اهتمام أوباما بالتسامح الديني يقتصر على مصر وبصورة أقل حدة (والحمد لله) على البحرين فحسب، أما عندما نأتي إلى إسرائيل، فيتبخر التزام أوباما هذا، حيث يحضّ العرب على الاعتراف بـ«إسرائيل كدولة يهودية، ويهدد الفلسطينيين من جديد (كما هددنا في خطابه في القاهرة) بضرورة الكف عن نزع الشرعية عن حق إسرائيل، بأن تكون دولة تميز قانونياً ضد مواطنيها غير اليهود على أسس دينية وإثنية: «بالنسبة إلى الفلسطينيين، ستبوء جهودهم لنزع الشرعية عن إسرائيل بالفشل»، لكن المفترض هو أن من يدعم التسامح الديني يدعمه جملة لا انتقاءً. أما عمى بصيرة أوباما، فيمتد إلى درجة أنه يعتقد أن العرب سيقتنعون على الفور بفصاحته المعادية لهم والمساندة لإسرائيل.
وينطبق هذا أيضاً على مصلحة أخرى من «المصالح الأساسية» لأميركا، ألا وهي الانتشار النووي. فها هو أوباما يعلن دون حياء أو حرج أن بلده قد «اتبع… لعقود» سياسة «الحد من انتشار الأسلحة النووية» في المنطقة، لكن، كما يعلم العالم أجمع، فإن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك أسلحة نووية، والتي هددت باستخدامها مرة واحدة، على الأقل، أثناء حرب ١٩٧٣، وتصر على عدم توقيع معاهدة الحد من الانتشار النووي. يبدو أن الدعم الذي تعطيه الولايات المتحدة لإسرائيل في المجال النووي، ومعارضتها لأي قرار للأمم المتحدة بمعاقبة إسرائيل لسياساتها النووية، لا يتناقضان مع «المصالح الأساسية» لأميركا. وبينما يجب منع العراق وسوريا وإيران فقط من امتلاك مفاعلات نووية لأهداف سلمية، تستطيع إسرائيل، ويجب عليها، أن تمتلك أسلحة نووية كما تشاء.


وأخيراً يصل أوباما إلى القضية الفلسطينية، ومن جديد لا يأتينا لا بما هو جديد ولا أساسي، على الرغم من الاعتراضات الصهيونية على خطابه. ومن البداية، يناشد أوباما العرب (كما ناشدنا في خطابه في القاهرة) بوجوب التعاطف مع يهود إسرائيل المساكين الذين يشعرون «بالألم لعلمهم بأن الأطفال الآخرين في المنطقة يتعلَّمون كراهيتهم» منذ الصغر. يبدو أن أوباما ومستشاريه قد غفلوا عن حقيقة أن إسرائيل والمنظمات اليهودية الأميركية الرئيسة هي الجهات الأهم التي تروّج منذ عقود وعلى النطاق العالمي لأبشع أشكال الدعاية العنصرية والكراهية ضد العرب والمسلمين. فما هذه الصدقية التي يعتقد أوباما بأنه سيتمتع بها عند العرب، الذين كانوا لعقود ولا يزالون ضحايا هذه الكراهية العالمية، عندما يناشدهم بأن يتعاطفوا مع معاناة مضطهِِديهم الذين لم يتوقفوا عن قتل الأطفال العرب منذ عام ١٩٤٨؟


لكن أوباما ذهب أبعد من ذلك؛ فهو لا يؤمن بأنه، على النقيض من كل الدول الأخرى التي يتحتم عليها ممارسة التسامح الديني، يجب استثناء إسرائيل من هذا الشرط، ودعم ممارساتها القانونية بعدم التسامح الديني والإثني، بل يعلمُنا بأن هذا الاستثناء يجب تطبيقه داخل إسرائيل فحسب، لا في الأراضي المحتلة. عندما يعلن أوباما أنه «لا يمكن تحقيق حلم الدولة اليهودية والديموقراطية في ظل احتلال دائم»، فهو يعلمنا بأنه يمكن أن يتحقق من دونه، بمعنى أن على المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل الاستمرار في المعاناة من التمييز العنصري والإثني الذي تمارسه «الدولة اليهودية والديموقراطية»، لكن ليس فلسطينيي الأراضي المحتلة. أما فلسطينيو مدينة القدس، فلم يقرر أوباما بعد إن كان عليهم أن يعانوا أو لا.


يقترح أوباما تأجيل المفاوضات على الاحتلال الإسرائيلي للقدس، لكنه يقترح في الوقت ذاته أن على إسرائيل الانسحاب إلى حدود ١٩٦٧، وهو بذلك إنما يظهر جهلاً شديداً أو سوء نية كاملة، حيث إن حدود ١٩٦٧، التي يتكلم أوباما عنها، تشمل القدس الشرقية، لكن يبدو أن أوباما استثنى المدينة مسبقاً من هذه الحدود، كأنها ليست جزءاً منها، على الرغم من أن القانون الدولي والأمم المتحدة يعدّانها جزءاً لا يتجزأ من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب ١٩٦٧. وهذا بغض النظر عن أن إسرائيل وسّعت بلدية مدينة القدس بطريقة غير قانونية على حساب أراضي الضفة الغربية، حيث أضحت مساحتها حسب بعض التقديرات تشمل عشرة بالمئة من مساحة الضفة (وقد كانت مساحة القدس عام ١٩٦٧ لا تتعدى ستة كيلومترات مربعة). أما ما يقترحه أوباما تحت تسمية «تبادل» الأراضي «المتفق عليه من الطرفين»، فهو ليس كذلك البتة. لقد اقتطعت إسرائيل أصلاً عشرة بالمئة أخرى من أراضي الضفة وراء جدار الفصل العنصري. أضف إلى ذلك المستوطنات وغور الأردن، التي تزعم إسرائيل أنها تريد تبادلها. أما ما يبقى للفلسطينيين بعد ذلك، فهو أقل من ستين بالمئة من الضفة الغربية، التي سيتمكن الفلسطينيون من إقامة ما سيسمى «دولة فلسطينية» عليها، لكن حتى هذه الدويلة ستكون «منزوعة السلاح» لكن، ويا للعجب، «ذات سيادة»، كما يعلمنا أوباما.


يبدي أوباما شعوره المستمر بالقلق على حق إسرائيل في الوجود، لكنه لا يبدي قلقاً مماثلاً على حق الفلسطينيين. فقد أعلن بخصوص «حماس» ودون مفارقة: «كيف يمكن جهة أن تتفاوض مع جهة أخرى ترفض الاعتراف بحقها في الوجود»؟، لكن ها هم الفلسطينيون ومنذ عقدين من الزمن يتفاوضون مع إسرائيل التي ترفض بإصرار الاعتراف بحقهم في الوجود في دولة خاصة بهم. فإن حض خطاب هارولد ماكميلان عام ١٩٦٠ دولة جنوب أفريقيا على وجوب الابتعاد عن سياسة الفصل العنصري، يصر خطاب أوباما على أن على الفلسطينيين الاعتراف بحق دولة إسرائيل في أن تستمر في أن تكون دولة عنصرية.


وعندما يتحدث أوباما عن كيف في بعض الأحيان «لا تتوافق… مصالح أميركا القصيرة الأمد… تماماً» مع «رؤيتنا الطويلة الأمد للمنطقة»، فهو يروّج لأكبر كذبة إمبريالية على الإطلاق. فقد كانت مصالح أميركا في المنطقة دائماً، قصيرة الأمد وطويلته، هي السيطرة على مصادر البترول، وضمان الأرباح الأميركية، وحماية إسرائيل. فإلى أن تهب رياح التغيير على هذه المصالح، سيبقى وضع الولايات المتحدة، كأكبر قوة مناهضة للديموقراطية في المنطقة، على ما هو، بغض النظر عن خطابات الأمبراطور أوباما.

أضف تعليق

من أجل سورية وشعوب المنطقة العربية كلها

بيان من مثقفين وأكاديميين عرب في الجامعات العربية والأجنبية حول الأوضاع في سوريا
تتسارع الأحداث في سوريا كما في بلدان عربية أخرى، ويؤلمنا ويثير الحفيظة والغضب أن تلجأ الحكومة السورية لتصعيد العنف ضد متظاهرين عزل بذرائع لا يقبلها العقل، واليوم تستباح مدن وحارات بأكملها لمنع اتساع التحرك المنادي بالديمقراطية والكرامة والحرية وحتى لمجرد المطالبة بالإصلاح. لقد راح ضحية أجهزة الأمن والمخابرات السورية مئات الشهداء وآلاف الجرحى وآلاف أخرى من المعتقلين ممن تمارس بحقهم الإساءات وأعمال التعذيب المحرمة من القانون والعرف الأخلاقي. واليوم يزج بالجيش العربي السوري في عمليات اقتحام غير مشرفة لا تستذكر قتاله وصموده البطولي في حرب تشرين بقدر ما تستذكر أحداث مدينة حماة الأليمة.
 إن إقدام النظام السوري على مواجهة المطالبة بالديمقراطية والحرية بالعنف يكشف ضعف النظام وفشله في استيعاب دلالات الانتفاضات الشعبية في عالمنا العربي. وإذ كان أسلوب العنف قد خدم النظام في ظروف مختلفة وحقب سابقة، فإنه نهج بات محكوما عليه بالفشل حالياً. ولن ينفع النظام تخبطه وإطلاقه الوعود تارة والوعيد تارة أخرى وإعلانه إجراءات إصلاحية قبيل إطلاق الحملات الدموية، بل عليه أن يعي أنه أمام استحقاقات نصف قرن من حكم الحزب الواحد وأربعين عاماً من حكم الأسرة الواحدة، وأمام استحقاقات كبت الحريات في عالم سريع التغيير، وهو يواجه فشله كما هو حال أنظمة عربية أخرى في إدارة شؤون البلاد بحكمة  ومسؤولية وفي مواكبة تطلعات الشعوب للحرية ولحياة كريمة. ويواجه النظام أيضاً استحقاق فشله في التنمية الاقتصادية وفي الإعمار وفي تحسين الظروف المعيشية لغالبية فئات الشعب السوري. وهو يقف أمام المساءلة حول استشراء الفساد واتساع الهوة في الثروة والدخل وفرص الحياة ونكوص الدولة عن التزاماتها في مجال الخدمات الاجتماعية وجنوح الحكم نحو تبني حزمة سياسات تخدم شريحة اجتماعية ضيقة قائمة على تزاوج بين السلطة والمال بما يقوض مقومات السيادة الوطنية.
 إن للأجيال الجديدة من الشباب تطلعات كبيرة تستحق التأييد والدعم، وهم يبتكرون أنماطاً حية من التنظيم والعمل الجماعي وتمتلك هذه الأجيال وعياً قادراً على التمييز بين الدولة وبين السلطة التنفيذية، وهي ليست أسيرة التنظيمات السياسية القديمة التي استطاع النظام استيعابها وتحجيمها بوسائل عدة. .إن حركات الاحتجاج والثورة في عموم العالم العربي حركات أصيلة نابعة من تجارب الشعوب مع أنظمة فاقدة للشرعية ورافضة للتغيير. وحراك الشعب السوري يعكس بشكل عام وعياً وطنياً عالياً وحرصاً على تجسيد الوحدة الوطنية. وإن كان الحراك في سوريا في بداية نهوضه، وإن بدا أنه غير قادر في القريب العاجل على إيجاد البديل الديمقراطي للنظام الحالي، فإن النظام بدوره لن يستطيع تجاهله وإغماض العيون عن دلالاته واستحقاقاته، فالحراك الجماهيري الناهض ليس ملكا لأحد ومن الأجدى والأبعد نظراً والأكثر حكمة التفاعل مع مطالبه التي هي في خدمة تطوير وتحديث ودمقرطة سوريا وتحصينها في مواجهة التحديات والأطماع الصهيونية والامبريالية. ولن يفيد النظام في شيء  إسكات الأصوات الحرة وقمع الفكر المعبر عن التطلعات الديمقراطية  وقمع الحقوق الأساسية، بل هو بذلك يغلق باب الإصلاح ويفتح باب الأزمات الخطيرة على مصراعيه.
 إننا نرى أن المسؤولية عن الأزمة الحالية في سوريا تقع على عاتق حكومة البلاد والرئيس بشار الأسد، والنظام السوري وحده من يتحمل وزر الهوة بينه وبين الجماهير الواسعة من الشعب، وعلى النظام تقع مسؤولية انعدام الثقة وأخطار انفلات الأوضاع والخسائر البشرية والمادية التي باتت تشكل ذرائع لعدوان خارجي محتمل، والنظام نفسه هو من يلوح بالانقسام الطائفي وزعزعة وحدة الشعب السوري، ويبالغ في دور وحجم القوى المدفوعة من أطراف خارجية. وهو بسلوكه الحالي مسؤول عن تفاقم الأخطار المحيطة بقوى المقاومة في فلسطين ولبنان وهو للأسف الشديد بات يستعدي قوى الجماهير على قوى المقاومة. وتقع على النظام مسؤولية تاريخية مع تلاشي الفرص لوقف انزلاق الأوضاع في سوريا نحو الاقتتال الداخلي ونحو اجتذاب الوصاية الأجنبية. وبهذا الشأن، نحذر من خطر السلوك المنافي للأعراف الإنسانية والدولية ومن إيجاد الذرائع لكل من يتربص بسوريا وبثورة الشعوب العربية.
 إننا نطالب النظام السوري بالتوقف فوراً عن حصار ودهم المدن والضواحي وعن استعمال العنف ضد المعارضة السلمية الديمقراطية، وبأن ينفذ دون تأخير وعوده بإطلاق سراح السجناء والموقوفين السياسييين وإطلاق حريات التعبير والتظاهر والتنظيم السياسي، ونطالبه برفع يد قوى الأمن السياسي عن حياة الناس وفسح المجال أمام وسائل الإعلام المختلفة. وندعو النظام إلى الإدراك بأن خطابه السياسي والإعلامي أصبح مدعاة للسخرية والتندر، كما عليه أن ينهي وصايته على الشعب السوري وأن يواجه حقيقة انهيار حاجز الخوف وولادة وعي جديد في سوريا، ونحن نأمل أن يكون بإمكان النظام التحلي بالشجاعة المعنوية بدل أن يتحصن بالقوة الواهنة. إن على النظام أن يتقبل خيار الشعب السوري المطالب بالديمقراطية، فالخيارات أمامه كلها صعبة ويبقى الانتقال الديمقراطي هو ضمان صيانة وحدة الشعب وتمكين المواطن والوطن.
 إن أمام النظام فرصة أخيرة لفتح حوار وطني عام حقيقي يشارك فيه ممثلون عن النظام  وعن  مختلف التيارات والجماعات المعارضة دون استثناء، شرط الوقف الفوري للعنف والملاحقة واحترام حق المواطنين بالتعبير والتظاهر، ويكون الهدف هو إجراء التغييرات الديمقراطية التي تستجيب لتطلعات الشعب السوري.
أ. د. إبراهيم عودة                          جامعة هاواي
د. أحمد جدي                                 الجامعة التونسية
د. أنيسة الداوودي                           جامعة درهام
أ. د. جلبير الأشقر                          كلية الدراسات الشرقية والإفريقية، جامعة لندن
أ. جميل هلال                                باحث فلسطيني
أ. حسن خضر                               مؤسسة الكرمل الثقافية
د. خالد الحروب                             جامعة كمبردج
د. رجاء بن سلامة                         رئيسة تحرير “الأوان”
د. سامر سليمان                             الجامعة الأمريكية في القاهرة
أ. سامي الرمضاني                         جامعة لندن متروبوليتان
أ. د. سلوى اسماعيل                       كلية الدراسات الشرقية والإفريقية، جامعة لندن
أ. د. طارق اسماعيل                       جامعة كالجاري
أ. د. عساف كفوري                        جامعة بوستن
د. غادة الكرمي                              جامعة أكستر
أ. د. غازي درويش                        جامعة بغداد سابقا وجامعة سري
د. كامل مهدي                               مدرسة لندن للإقتصاد والعلوم السياسية، جامعة لندن
د. كرمة النابلسي                            جامعة أوكسفورد
د. لؤلؤة الرشيد                              معهد الدراسات السياسية في باريس
د. محمد صالح عمري                     جامعة أوكسفورد
أ. د. مضاوي الرشيد                       كلية كينكز، جامعة لندن
د. مهى عبد الرحمن                        جامعة كمبردج
أ. د. وليام حداد                              جامعة ولاية كاليفورنيا

أضف تعليق

عبدالحليم خدام يدعو لضربات عسكرية دولية ضد بلاده: خيانة للوطن وليس معارضة للنظام

 

سليمان نمر

أن يطالب نائب رئيس الجمهورية السورية السابق عبدالحليم خدام بتوجيه ضربات عسكرية دولية ضد بلاده فهو امر مشين وفيه خيانة لوطنه ولبلاده.

صحيح قد يطلب معارض سياسي سوري تدخل المجتمع الدولي للضغط على النظام السوري لوقف

ما يتعرض له المتظاهرون من قمع على يد الجيش والاجهزة الامنية، وما يتعرض له المعتقلون من تعذيب.

ولكن لا اعتقد ان احدا من المعارضين السوريين تصل به حدة الموقف الى حد الخيانة ومطالبة العالم بتوجيه ضربات عسكرية ضد بلاده. ولم نسمع في يوم من الايام ان أي من المعارضين- حتى المتشددين منهم والذين سجنهم واعتقلهم النظام – يطالب بتدخل عسكري ضد بلاده.

ان تأتي هذه المطالبة من رجل كان واحدا من اهم رموز النظام السوري، فهذا امر يزيد من الاستنكار والادانة.

ان الشيء الذي يميز رموز المعارضة السورية – وفي الداخل بشكل خاص- انهم لم يسمحوا بالتدخلات الخارجية في خلافهم مع النظام.

الجدير بالملاحظة هو تكاثر اعداد المعارضين في الخارج الذين يحللون اوضاع سوريا واحتجاجات الشعب السوري، وهؤلاء نراهم الاكثر تشددا في معارضة الحكم في سوريا، لانهم في الخارج ويتكلمون على راحتهم.

والمثير للسخرية ان السيد عبدالحليم خدام يتحدث عن النظام الديكتاتوري في سوريا (في عهدي حافظ الاسد ثم ابنه بشار)، وكأن السيد خدام لم يكن نائبا لرئيس هذا النظام (حافظ الاسد ولابنه من بعده)! وكأن السيد خدام لم يشارك بقمع الحركات الاحتجاجية التي شهدتها سوريا في عهد الرئيس السابق حافظ الاسد الى درجة محاولة اغتياله من قبل جماعة الاخوان المسلمين بعد احداث حماة عام 1985.

الم يكن السيد عبد الحليم خدام هو عراب التعديل الدستوري الذي ضمن للرئيس بشار الاسد خلافة والده؟ الم يكن خدام مسؤول ملف الوجود السوري في لبنان قبل ان يسحبه منه الرئيس السوري الحالي الامر الذي ادى الى غضبه ومن ثم هروبه من دمشق عام 2005؟

يريد السيد خدام ان يمتطي موجة المظاهرات والغضب الشعبي، لا ليقود “الثورة” في سوريا ويعود للحكم، (لانه يعلم ان السوريين بمن فيهم معارضو النظام لا يحترمونه ويعلمون انه كان هو وابنائه من رموز الفساد في سوريا)، بل يريد الانتقام من النظام، الذي كان احد اركانه ورموزه قبل ان يهرب من دمشق.

لذلك فالسيد عبدالحليم خدام – كما تقول مصادر عربية محايدة – يعمل على ارسال اسلحة ومسلحين من شمال لبنان الى سوريا خاصة الى مدينته بانياس، ونعتقد انه بهذا اعطى المبررات للاجهزة الامنية للنظام للجوء الى السلاح واجتياح المدن وقتل المتظاهرين لاخماد احتجاجات الشعب المطالب بحريته وكرامته.

محبو سوريا العروبة، مع وقف القمع الامني الذي يتعرض له الشعب السوري، ويعارضون اللجوء الى الحلول الامنية لوقف تظاهرات واحتجاجات السوريين، ويطالبون الرئيس بشار الاسد بالتدخل لاعطاء شعبه حريته وكرامته وان ينقذه مما يتعرض له من قتل وتعذيب.

ولكن لا يمكن لاي عربي محب لسوريا ان يقبل بان تتعرض سوريا لاي تهديدات خارجية او تدخلات اجنبية.

ولا يمكن ان يقبل احد أي دعوة لتوجيه ضربات عسكرية دولية ضد سوريا

أضف تعليق

لا حـق لأحـد فـي الغبـاء

 

ميشيل كيلو – السفير

 

لا عيب في أن يغلط المرء، إلا إذا كانت غلطه يخرب بيت غيره. يحق لكل مخلوق أن يتبنى آراء خاطئة وأن يعبر عنها و»يناضل» من أحل تعميمها وإقناع الآخرين بها، ويحق لكل مخلوق رفض ما يقوله غيره والرد عليه بالطريقة التي تعبر عن مستواه العقلي أو النفسي – في حال كان بلا مستوى عقلي -، خاصة إن كان من ترفض آراؤه أو قراراته يؤمن بحق الآخرين في أن يكونوا على صواب، وحقه هو في أن يكون على خطأ، وفي أن يصحح خطأه. من حق أي كان التعامل مع الآخرين وكأنه لا يعرفهم، رغم أنه ربما يكون قد أمضى فترة مهمة من حياته في حوار معهم أو في صحبتهم. أخيراً، يحق لأي كان توزيع شهادات الوطنية ذات اليمين وذات الشمال، وتقديم النصح لمن يشاء من دون حساب. نحن، كتاب وكتبة هذا الزمن نطرح قراءتنا للواقع في سوق الآراء والأفكار والمواقف المتناقضة المتضاربة، ويعلم بعضنا أن ما يقوله هو مجرد اجتهادات تستند إلى فرضيات غالبا ما تكون ناقصة أو أحادية الجانب، وأن أقواله وآراءه ليست منزلة أو معصومة، وأن من الطبيعي أن تلاقي القبول أو الرفض، لأن هذه كانت حال البشر في كل زمان ومكان.


لكنه لا حق لأحد في الغباء، خاصة إن كان من العاملين في الشأن العام. أقول هذا لأصوات متفرقة تعالت من أماكن بعيدة استنكرت لقائي مع شخصية رسمية سورية وتخوّفت منه، حتى أن أحدهم خشي أن أؤكل يوم أكل الثور الأبيض، وذكرني بأن ما فعلته في الماضي لم يحمني من السجن، ونسي أنني لو لم أفعله وأنا بكامل قواي العقلية لما أوصلني إلى السجن أي شيء! ما علينا، يستمد موضوع هذه المقالة أهميته من تباين مواقف الناس حول ما يدور في بلادنا: سوريا، التي نحبها جميعاً ونريد أن تخرج من أزمتها الراهنة إلى ما فيه حرية وحقوق شعبها، وسلامها وأمنها واستمرارها كدولة هي ركن المشرق العربي، إن أصابها ـ لا سمح الله ـ مكروه، كان في ذلك نهايتها ونهايته، خاصة بعد مأساتي فلسطين والعراق .


سأستعرض في عجالة أحد محددات موقفي من أزمة سوريا الحالية، بدءاً بأشد تظاهراتها عمقاً: أعني إنكار طابعها كأزمة والتعامل معها كمؤامرة، مع ما يترتب على ذلك من مشكلات تزيدها، كأزمة، تعقيداً وتجعلها عصية أكثر فأكثر على الحل، بالنظر إلى أنها تدفع بعض مكونات الوضع وعناصره وقواه إلى الهامشية، وبعضها الآخر إلى مواقف تصعيد متقابلة تفاقم طابعها والأحوال العامة، وتضفي عليهما عنفاً لا يني يتعاظم، مع أن المطلوب حل الأزمة، بروية يُمليها وعي الواقع على حقيقته، كأزمة، ورؤية منفتحة على الإقرار بما قد يكون هناك من أخطاء والاعتراف بأن للآخر حقوقاً يجب أن تلبى.


لا حاجة إلى القول: إن التعامل مع أزمة يختلف اختلافاً جذرياً عن التعامل مع مؤامرة. الأزمة مشكلة أو جملة مشكلات لم تحل. وهي تفقد صفتها كأزمة بمجرد أن توجد لها حلول تتفق مع طبيعتها، التي قد تضم عوامل اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو ثقافية… الخ، فإن أحجم المعنيون عن حلّها بوسائل تزيل أسبابها، تحوّلت إلى أزمة مستعصية وانعكست أكثر فأكثر على الحياة العامة في جملتها، خاصة إن كانت مركبة واكتسبت بعداً اجتماعياً يدفع الناس إلى المطالبة بإزالتها، عبر إصلاحات تتخطّى مظاهرها الخارجية إلى الأبنية العامة العميقة التي أنتجتها، إن كانت من طبيعة شاملة. في هذه الحالة، تغدو الأزمة عاملاً كاشفاً يفصح عن طبيعة الأمر القائم وأهلية القائمين عليه، ونوعية تفكيرهم وخياراتهم وارتباطاتهم، ينجم عنها تغيير يخرج الواقع من مأزق لا خلاص منه في إطار الوضع الذي أنجبه وبمفرداته، ويأخذه إلى بديل هو بداية تكوينية جديدة بالنسبة إلى سائر أطرافه. بقول آخر: ثمة في كل أزمة سياسات ومصالح ومجموعات اجتماعية وقوى سياسية وخيارات وثقافة وتوافق واختلاف وبدائل، فهي كالمرض تمتحن صحة الجسم السياسي والمجتمعي، وتبين قدرتهما على التفاعل، ونوع التفاعل، مع ما ينشأ فيهما من مشكلات، إن أهملا حلها انقلبت إلى أزمة، وإن استمرت أدت إلى انعكاسات تطاول مجمل البنيان المادي والروحي للبلد، والإجماع الوطني وعلاقات الحقل السياسي، ورؤى وخيارات مكوناته، وأنتجت تناقضات متفجرة الطابع، خاصة أن وقع خلاف بين أهل الحل والعقد حول سبل التصدي لها، تحول إلى صراع داخلهم قد يبدأ محدوداً لكنه يتسع ويتفاقم باستمرارها، إلى أن يصير جزءاً منها يسهم في شل قدرة من يتصدون لها وفي إضعاف مسعاهم، خاصة إن نشأ توازن بين القوى المتصارعة يمنع أو يصعّب الخروج منها، أو إذا دخلت قوى خارجية على خط الصراع، وشرعت تمسك بالمفاتيح التي تمكّنها من إدارته لمصلحتها. نحن اليوم ـ للأسف – على مشارف وضع كهذا، فالأزمة لا تحلّ بالوسائل التي تستخدم للتخلص منها، وهي تدخل أكثر فأكثر في طور احتدام واحتجاز داخلي، وتنفتح أكثر فأكثر على تدخلات خارجية ستبدّل طابعها، وتزيدها تعقيداً، وتضعف أطرافها. 


ليست الأزمة العامة: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية… الخ، التي تواجه مجتمعاً أو نظاماً ما ولا يمكن أن تكون مؤامرة، ما دامت الأزمة التي تنجم عن مؤامرة من طبيعة أمنية/ سياسية، وبما أنها تكون محدودة وتتجه ضد أو تقتصر على قوى تعمل غالباً في الصعيد السياسي، وتنصبّ على جوانب من علاقات مكوّناته، وتستخدم في حلها وسائل سرية غالباً، وتذهب دوماً نحو العنف وكثيراً ما تنهض عليه، بحيث لا يعقل أن ينخرط مئات آلاف أو ملايين المواطنين في أي وطن، من المطالبين علانية بحقوق تنتمي إلى الحقل السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، أو إلى هذه الحقول مجتمعة، في مؤامرة، أو يكون لحراكها طابع المؤامرة: الذي يتسم بطابع فئوي/ أقلوي وسري، ويكون غير دستوري وشرعي. من هنا، لا تقهر المؤامرة بالوسائل التي تحلّ الأزمات، ولا تنتمي إلى الحاضنة التي تنتسب الأزمة إليها، وإذا كانت الأزمات تستغلّ من قبل من يريدون الانخراط في مؤامرات، فإنها تبقى مختلفة عن الأخيرة، في طابعها ومداها وحواملها وسبل معالجتها، فالأزمة، متى صارت عامة بصورة خاصة، لا تعالج بالقوة، لأن موضوعاتها ليست أمنية أصلاً، رغم أنها تترك انعكاسات واضحة على صعيد الوحدة الوطنية والنظام العام، بينما تعالج المؤامرة بواسطة الأمن وسياساته.


ثمة علامات تشير إلى أن النظام في سوريا لا يرى ما يحدث كمؤامرة، وإن قال إعلامه وتصريحات بعض مسؤوليه ذلك. لو كان يعتبره مؤامرة، لما قال بالحوار الوطني ووعد بإجرائه، علماً بأن الحل الأمني يعني، بالمقابل، أنه يتعامل معها، بما هي أزمة، من خلال وسائل لا تصلح للتخلص منها. هنا يكمن جزء مهم من المشكلة التي نواجهها جميعاً: مشكلة الإقرار الضمني بوجود أزمة يتم إنكارها علناً والتعامل معها بصفتها هذه، ومعالجتها كمؤامرة وبوسائل مكافحة المؤامرات، التي لن تنجح في حلها، لكونها تستهدفها حيث لا توجد، مع ما يترتب على ذلك من تفاقم في الأزمة خاصة، وفي الأوضاع العامة إجمالاً، ومن تخلق بيئة للتآمر ولقرينه: العنف، ليس النجاح في كبتها وحتى التخلص منها كافياً بأي حال للتخلص من الأزمة، التي ستستمر في التفاقم نتيجة الامتناع عن التصدي لها بصورة مباشرة وصريحة، حيث هي قائمة ومنذ فترة طويلة: في السياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافة… الخ، كما في علاقات هذه الحقول بعضها ببعض، وعلاقات السلطة بالدولة والمجتمع والعكس… الخ.


لا بد من معالجة الوضع السوري الراهن باعتباره نتاج أزمة لا تحل بالقوة، ولا بد من حل سياسي لها يتم في حاضنة عامة تجمع الأطراف الراغبة في حلها والقادرة عليه من سلطة ومعارضة، على أن يكون للمواطن العادي، المطالب بحلها، أي بحصته من الحرية والثروة، دور فاعل فيه، يبدل موقعه من الحياة العامة، ويتيح له الانتقال من هوامشها الخارجية إلى مركزها، ضمن علاقة جديدة بينه وبين السلطة والدولة، تنهض على أسس متوافق عليها يتم بلوغها حوارياً وسلمياً: من دون عنف أو إكراه وخارج أي فكر أو فعل تمليهما موازين قوى تفرض العنف والإكراه. هذا الحل يجب أن يتم في إطار وحدة الجماعة الوطنية السورية، وسلامة وأمن مكوناتها جميعها، ولا مفر من أن يكون نتاج تسوية تاريخية حاملها الرئيس المجتمع المطالب بالتغيير وتعبيراته السياسية، على أن يكون المتمتع الرئيس بثمارها وعوائدها، من دون أن يعني ذلك الانخراط في صراعات نهائية، ووقوع انقلابات لا يعرف أحد نتائجها، في بلاد صار من الواضح أنها تعاني من نقاط ضعف ترتبت على طول وتشعّب أزمتها، بعد أن نحّت نخبها السائدة السياسة عن علاقاتها مع مجتمعها، وأحلت محلها قدراً غير سياسي من العنف، كأنها لا تريد العقد الاجتماعي ولا تقبل أية صورة من صوره، ولا تعلم أن المواطن يتخلى للدولة عن حقه في العنف مقابل منحه الحق في الأمن، في جل مشكلاته بالسياسة وليس بالعنف، وأن احتكارها للعنف يعني امتناعها عن استخدامه، وإخراجه نهائياً من الشأن العام، وعدم اللجوء إليه خلال الأزمات، وحتى عند التصدي للمؤامرات، التي لا بد أن تفشلها السياسة ووسائلها: بصورة استباقية دوماً، فإن حدث ووقعت بالعنف في حدود دنيا ومدروسة تطاول المتآمرين أنفسهم، بينما يستمر بقية المواطنين في التنعم بالسلام والأمن، وممارسة أدوارهم العادية في أجواء من الطمأنينة والحرية.


لا يحق لأي سوري التعامل بغباء مع وطنه، وإلا ضاع وأسهم في ضياعه. ولا يحق لأحد أن يخرجنا من الوضع الحالي إلى وضع أسوأ منه، حبا بشعارات براقة أو مغرية، أكان ذلك بالأصالة عن نفسه أم تقليدا لحالات عربية ودولية عرفتها بلدان أخرى، لا يضمن نجاحها هناك نجاحها في تحقيق الهدف ذاته هنا، كما لا يضمن بقاء سوريا على حالها الراهن، وطنيا ومجتمعيا. لذلك، لا بد من حل سياسي يتصدي بكل جدية للأزمة القائمة، وهي مزمنة وصعبة ومن نتاج السياسات والخيارات الرسمية، لننتقل سلميا وتوافقيا وفي إطار آمن يلبي حاجة جميع السوريين إلى نظام حريات يحفظ مكونات الحقل السياسي السوري، وإن أعاد النظر في أوزانها وأدوارها، ويضع بلادنا أمام تاريخ جديد هو لنا جميعا، نطوي معه ما نعانيه اليوم، وعانينا منه خلال تاريخنا الحديث كله، من ظلم وتهميش، نرى فيه الأمل الذي بقي لنا، وإسهامنا الوطني والقومي والإنساني في نهوض عربي نعيش بداياته، ولا بد أن يكون لنا فيه دور يليق بنا كمواطنين عرب أحرار يعرفون كيف يعالجون مشكلاتهم، ويحافظون على سلامة وقوة وحرية دولتهم ومجتمعهم!

أضف تعليق

كومبارس: الحب ينتهي بصفعة من رجل الأمن

إبراهيم العريس

حين عرض المخرج السوري نبيل المالح فيلمه «كومبارس» في مهرجان معهد العالم العربي في باريس عام 1994 كانت سنوات عدة قد مرت عليه منذ حقق آخر أفلامه قبل ذلك الفيلم، ومن هنا كان استقبال «كومبارس» في تلك المناسبة الباريسية التي كانت مرموقة في ذلك الحين كبيراً وعابقاً بالفضول. وهكذا بعد ان شوهد الفيلم كان ثمة إجماع على ان صاحب «الفهد» و «السيّد التقدمي» وأحد أعمدة التجديد في السينما العربية انما يعود هذه المرة بفيلم جديد يسجل تحولاً نوعياً على مستوى التوجه والأسلوب، فـ «كومبارس» يقول في شكل موارب وفني حميم أشياء كثيرة عن القمع والاستلاب، عن عنف المجتمع وخضوع الأفراد، معتمداً لغة سينمائية شديدة الانضباط، لتصوير عالم مغلق لا يزيد عدد ساكنيه على الشخصين، فيما يقتصر وجوده الفعلي على ساعتين من الزمن.

> ساعتان وغرفة مغلقة وعاشقان وكاميرا تصوّر هذا كله. ذلك هو، باختصار، الشكل الحدثي لفيلم «كومبارس» الذي سجل عودة المخرج نبيل المالح الى السينما، لكن عودة السينمائي السوري كانت في حد ذاتها إعلاناً عن تحول نوعي على مستوى التوجه والأسلوب. فهذه المرة هناك قطيعة واضحة من «انفلاشية» عرفتها التجارب السابقة التي تميزت غالباً بتشعب الأماكن والمواضيع والشخصيات والأحداث، وبتركيبات لغوية كانت تعقّد حتى أبسط المواضيع («الفهد») أو تثقل الشريط بادعاءات لا طاقة له على احتمالها («السيد التقدمي»). في «كومبارس»، اختار المالح أسلوباً متقشفاً، ولغة سينمائية شديدة الانضباط والحصر، وتوليفاً وظائفياً دقيقاً. وأتى كل ذلك يومها ليكشف عن الخبرة التي اكتسبها المخرج خلال السنوات السابقة، حيث ان لغة «الحد الأدنى» التي اعتمدها في فيلمه الجديد – من الناحية الظاهرية على الأقل -، اشتملت على ثراء فاحش في رسم المناخ العام للفيلم، والكشف عن دواخل شخصيتيه الرئيستين.

> لذا كان يمكننا يومها المجازفة بالقول ان المالح تمكن – عبر رسم عالم مغلق لا يزيد عدد ساكنيه عن شخصين، وتاريخه عن ساعتين كما اشرنا – من ان يرسم صورة ذكية وأمينة لعالم من الخوف والرعب، تتواجه فيه أوضاع اجتماعية وسياسية بادية القسوة والتعقيد. ومن الواضح ان السينمائي استخدم لغة التقشف وأسلوب التكثيف لرصد أحدات وأجواء وعوالم تتجاوز ما يقوله ظاهر الفيلم والجانب المعلن منه، الى حد بعيد.

> في الغرفة المغلقة إذاً، وعلى مدى ساعتين من الزمن، تمكن نبيل المالح – على طريقة الإيطالي ايتوري سكولا في «يوم خاص» – من ان يقول أشياء كثيرة حول القمع والاستلاب، حول عنف المجتمع وخضوع الأفراد. غير ان الاكتفاء بمثل هذا الجزم، كان من شأنه ان يشكل ظلماً لفيلم لا تنحصر قوته في مضمونه (الثوري في شكل موارب إذا شئنا!)، بل تكمن أيضاً وبخاصة في أشكاله الفنية، وفي قوته التعبيرية. فرؤيته السينمائية تقوم على مبدأ تقاطع زمنين: ساعتا عرض الفيلم هما في الوقت نفسه الفترة التي يستغرقها الحدث الرئيس، أي اللقاء السري والمنتظر لعاشقين في شقة صديق، بعد ثمانية أشهر من اللقاءات العابرة في الشوارع والحدائق العامة.

> العاشقان في الفيلم هما سالم وندى، اللذان قدمهما نبيل المالح في شكل مكثف وسريع، كعاشقين عاديين جداً. هي أرملة شابة تعمل لتعيل نفسها، وهو عامل ميكانيكي يهوى الفن ويعمل في المساء كـ «كومبارس» في المسرح القومي. والشقة التي يلتقيان فيها، بقدر ما تعزلهما عن العالم الخارجي، بقدر ما تكشف حتمية انتمائهما اليه وارتباطهما به. فالشقة التي تحتضن عزلتهما، من ناحية مبدئية، تعكرها بين الحين والآخر زيارة بائعة أو طلّة مباغتة من رجال المخابرات، ما يعني ان العاشقين، الى حميميتهما يمارسان في الغرفة (وهذه نقطة بدت محيّرة في الفيلم يومذاك!) مجابهتهما مع العالم الخارجي… حيث نجد ان سالم بدأ يعيش حريته، فيقوم بأداء أدواره المسرحية، متحولاً من مجرد كومبارس، الى شخصية رئيسة أمام متفرجته الوحيدة، ومن متلعثم في الحياة العادية الى فصيح منطلق في خطابه. ولهذا الانقلاب، دلالة نفسانية لا يخفى بعدها السياسي. فالتلعثم انعكاس للاستلاب وتعبير عنه، ويأتي التخلص منه دليلاً على توصل الشخصية الى تحرر معين.

> وفي هذا الفضاء المغلق، يبدو العالم الخارجي الذي يهرب منه العاشقان اكثر حضوراً. يصل هذا الحضور الى ذروته في المشهد الأخير، حيث تنزل على وجه «الكومبارس» صفعة حقيقية من رجل الأمن تذهله وتعرّيه تماماً، هو الذي اعتاد ككومبارس على تلقي عشرات الصفعات فوق الخشبة. هذه الصفعة، على رغم ان الفيلم كله أعدّنا لتلقيها، لم تأتِ من الناحية التقنية بالقوة المفترضة. فحركة الكاميرا البطيئة، جرّدت عنف الصدمة من دلالتها الفيزيولوجية. لكنها حضّرت وحددت نهاية الفيلم بمعناها الفصيح، ووضعت حداً لذاك اللقاء الذي كان وعداً بين حبيبين. فوسط ذهول سالم وإحساسه بالعار، وتصرّف ندى كأنها لم تر شيئاً، ينتهي الزمن الموقت، وتترك ندى الشقة متماسكة أول الأمر لكي تنهار بعد ذلك أمام مدخل البناية. ثم تتابع سيرها وسط مدينة مزدحمة، قبل ان يخرج سالم هو الآخر ويسير وسط الزحام في اتجاه آخر، فيما تستقر كاميرا نبيل المالح على المدينة. المدينة الصاخبة المزدحمة التي بدت شبيهة بما كانت عليه مدينة بيروت عشية حربها الطاحنة. فماذا سيحدث بعد ذلك؟

> ربما لا شيء. ربما يواصل العاشقان لقاءاتهما على هامش العالم، وربما يتحول سالم من كومبارس الى ممثل ذي شأن – وهو يستحق ذلك على أي حال – لكننا لن ننسى، أثناء ذلك، ان الفيلم الذي عاد به نبيل المالح الى السينما السورية عرف كيف يعبّر عن آليات القمع الداخلي وعن ظواهر الاستلاب. المالح يقول استحالة ان تكون فرداً طبيعياً في مجتمع طاحن، من دون ان يرفع أي شعار، أو يستند الى أية ادعاءات سياسية من النوع المعتاد.

> بهذا المعنى، يمكن القول ان «كومبارس» أتى يومها فيلماً ناضجاً وجريئاً ومبتكراً، ولو أنه كان يحيلنا أحياناً الى أفلام سبق لنا رؤيتها، (مثل «يوم خاص» للإيطالي سكولا). لكنه بدا في الأحوال كافة عملاً سينمائياً من طراز جيد بخاصة ان المالح عرف كيف يجعل كاميراه تتجاوز «كلاوستروفوبية» المكان (أي انغلاقه الذي يبعث على الاختناق)، مستفيداً الى أقصى الحدود من إمكانات ممثليه. فهما نجحا في التعبير، بكل شفافية وإخلاص، عن حميميتهما الموؤودة، وعن حنانهما اللامتناهي. و «كومبارس» في النهاية، فيلم مخرج وممثلين. لا يهم وبعد ذلك كثيراً ان يتسم الحوار بشيء من الثقل. وأن تتعثر بعض المشاهد بذهنية تفقد الفيلم إيقاعه (مشهد دخول خطيبة صاحب الشقة وتصرفاتها). إذ بعد كل شيء أتت عودة نبيل المالح عبر هذا الفيلم في ذلك الحين، لتمثل عودة شيء من الأمل الى السينما العربية.

أضف تعليق

عن الديمقراطية والنزاهة في مشيخة قطر !؟

 

جهاد نصره

 

لا يزال السؤال عن موقع وموقف ودور المثقف النقدي العربي والسوري تحديداً فيما خص الأوضاع الراهنة من دون إجابات واضحة وملموسة، ولا شك في أن معظم المثقفين النقديين مستقلون بما يعني أنهم خارج الأطر الأيديولوجية والتنظيمات السياسية..! إن مؤشر استقلالية المثقف النقدي يتحدد في موقفه وموقعه إبان الأزمات السياسية والوطنية.. وفي الزمن العربي المفصلي الراهن من الطبيعي أن يجد بعض هؤلاء المثقفين أنفسهم في مأزق حقيقي الأمر الذي يفسِّر صمتهم، وتريثهم، وحذرهم، فالقضايا المتفجرة تستدعي عادةً تجاوز الرؤية النقدية لما هو راهن في الثقافة، والسياسة، إلى ما هو متاح.. وممكن، من خيارات مستقبلية يفصح عنها مبكراً مسار التغيير المحتمل..!

 

 إن مآلات التغيير في بلدان منقطعة عن النهضة ومرتهنة للموروث الديني ستكون على الأغلب في صالح الفعاليات والقوى الدينية المنظَّمة الأمر الذي يربك شرائح المتنورين كافة وعلى هذا يتكئ الإسلاميون في إجماعهم على مسألة الانتخابات التي أصبحت مطلباً أساسياً راهناً في كافة البلدان العربية..! غير أن النشاز في مقاربة هذه المسألة يتجلى في أنها أصبحت عدة شغل المؤسسات الإعلامية السعودية والقطرية بالرغم من أن قطر والسعودية لم تعرفا الانتخابات يوماً…؟ غير أن الأكثر فجوراً في هذا السياق أن تتفرغ معظم هذه المؤسسات للترويج والحشد والتحريض تحت عناوين الحرية والانتخابات وحكم العائلة مستهدفةً بلدانا بعينها وعلى رأسها  سورية. والمعروف أن البلدين المشيخيين يفتقدان أدنى معايير الهيكلية الدولتية المتعارف عليها..! فذرية الأسرة الحاكمة في كلٍ من السعودية وقطر هي المصدر الوحيد لشرعية الحكم .. والأسرة هي المالك الحصري للثروة تبددها كيفما تشاء.. والإدارة الأمريكية التي لا ترى بطبيعة الحال غير مصالحها لم تكن يوماً في وارد حسبان أي حساب للقيم  والمعايير الإنسانية التي تحفل بها شرعة ومواثيق حقوق الإنسان الدولية فيما خص هاتين الدولتين..! وعليه كيف سيجد “أوباما” وغيره من مشايخ الإدارة والكونجرس أي حرج في الحديث المتواتر عن الديمقراطية والانتخابات وتداول السلطة في دول بعينها…!؟

 

  ثم إن المضحك المبكي في هذا السياق أن إعلام السعودية وقطر يثير بسفاهة قلَّ نظيرها من حيث استغباء عقول المشاهدين والقراء قضايا الفساد في الدول الأخرى مستغلاً غباء وقلة حيلة حكام هذه الدول التي يقف إعلامها صامتاً عن قضايا الفساد الكبرى التي عرفتها السعودية وقطر..! ففي الأمس فقط، وقَّعت مؤسسة قطر برئاسة الشيخة الفاخرة “موزه ” عقد شراكة مع إدارة نادي برشلونة يمتد حتى العام / 2016 /.. ويعد هذا العقد بقيمته الإجمالية البالغة / 166 / مليون يورو أكبر صفقة في تاريخ رعاية قميص لفريق كرة قدم..! وسيربح العرب والقطريون من وراء هذا العقد رؤية عبارة ” Qatar Foundation ” على قمصان اللاعبين لا أكثر ولا أقل.. والسفاهة اللامتناهية تكمن في أن توقيت الإعلان عن توقيع العقد ترافق مع حملة تحريضية شرسة تشنها المؤسسات الإعلامية القطرية وعلى رأسها قناة الجزيرة على السلطة السورية ( قال شو يعني في سورية فساد وسرقة وقمع واستبداد وحكم عائلي) . طيب يا جماعة كل هذا صحيح..! لكن لقد قام الكتاب والمثقفون والأحزاب المعارضة بواجبهم وعملوا دوماً على كشف عورات السلطة الحاكمة ودفعوا نتيجة ذلك أثماناً باهظة سجناً وقمعاً ونفياً لكن:

 

  في سياق تثبيت الحقائق لا بد من تسجيل أن الإعلام القطري قبل انطلاق قناة “الجزيرة” كان له الريادة والسبق في فنون التلفيق والتزوير والتركيب واستخدام تقنيات التصوير ومنتجتها بصورة تخدم الهدف المنشود..! فمن المعروف أن تلفزيون قطر قام ببث صور مشايخ ووجهاء المشيخة وهم يسلمون على الشيخ ـ حمد ـ بعد منتجتها لتبدو أنها مبايعة له ليكون خلفاً لأبيه الأمير المتواجد خارج البلاد للاستجمام وذلك في العام / 1995 / فيما عرف وقتها بالانقلاب التلفزيوني..!؟ ومن الطبيعي أن تعمل قناة “الجزيرة” على نفس المنوال فكان ما عرف لاحقاً بدعارة الرأي والرأي الأخر بحيث صارت قناة الجزيرة راعيةً للديمقراطية في دنيا المشاهدين العرب..! طيب ماذا عن تاريخ أسرة ـ آل ثاني ـ المتخم بوقائع الغدر..وماذا عن فضائح العائلة التي لا تعد ولا تحصى..! وماذا عن تاريخ الشيخ ـ حمد ـ أمير قطر الحالي وهو أكبر أولاد الشيخ ـ خليفة ـ المعزول وهو الذي فشل في الحصول على الثانوية العامة.. والذي فصل فيما بعد من كلية ( ساندهيرست ) العسكرية البريطانية لعدم قدرته العقلية على إكمال مناهج الدراسة وبالرغم من ذلك منح رتبة جنرال وعين قائداً للجيش وولياً للعهد…!؟ وقناة “الجزيرة” التي شغلها الشاغل الكشف عن فضائح الفساد المستشري في الدول العربية غير معنية بحقيقة أن ( 20% ) فقط من عائدات النفط والغاز يصرف على الشعب القطري والباقي يودع في حساب الأمير الشخصي..! وهي غير معنية أيضاً بفضيحة أن للشيخ الأمير المبجَّل أمريكياً حصة معروفة في كافة المؤسسات والشركات العاملة في قطر إضافة إلى الرشاوى وعمولات صفقات السلاح والدواء وغيرها التي توزع على الأمير وأولاده وزوجاته الثلاث.

 

قبل بضعة أيام، حلَّت ذكرى النكبة، وقد انطلقت في هذه المناسبة تظاهرات العودة في عددٍ من بلدان الشتات.. وفي الوقت الذي كانت فيه قناة “الجزيرة” تذرف دموع التماسيح على مآسي الشعب الفلسطيني.. وعندما كان أطفال الشتات يصرخون: لن نبقى لاجئين.. فإن قادة قطر كانوا يتواصلون مع قادة إسرائيل لتحسين الروابط الأخوية فيما بينهم.. ومن أجل ذلك عرضوا تعويضهم عن الغاز المصري.. وتعاقدوا مع مؤسسات إسرائيل الأمنية ( الموساد وشاباك وأمان ) لحماية مونديال / 1922 / الذي سيقام في قطر مقابل / 2 / مليار دولار زائداً عمولة 5% عن كل تذكرة دخول إلى الملاعب على أن تدفع قطر مليار دولار في الحال والمليار الثاني يدفع قبل بدء دورة المباريات بثلاثة أشهر…!؟

 

وبعد لم يبق سوى أن نحيي قناة “الجزيرة” على وطنيتها المتدفقة وعشقها الأخاذ للشعوب العربية وأن ننوه تنويهاً معظَّماً بنزاهة أصحابها المشايخ وتعظيم سلام لدعاة الديمقراطية الأمريكية المشيخية النفطية.

أضف تعليق