عن الديمقراطية والنزاهة في مشيخة قطر !؟

 

جهاد نصره

 

لا يزال السؤال عن موقع وموقف ودور المثقف النقدي العربي والسوري تحديداً فيما خص الأوضاع الراهنة من دون إجابات واضحة وملموسة، ولا شك في أن معظم المثقفين النقديين مستقلون بما يعني أنهم خارج الأطر الأيديولوجية والتنظيمات السياسية..! إن مؤشر استقلالية المثقف النقدي يتحدد في موقفه وموقعه إبان الأزمات السياسية والوطنية.. وفي الزمن العربي المفصلي الراهن من الطبيعي أن يجد بعض هؤلاء المثقفين أنفسهم في مأزق حقيقي الأمر الذي يفسِّر صمتهم، وتريثهم، وحذرهم، فالقضايا المتفجرة تستدعي عادةً تجاوز الرؤية النقدية لما هو راهن في الثقافة، والسياسة، إلى ما هو متاح.. وممكن، من خيارات مستقبلية يفصح عنها مبكراً مسار التغيير المحتمل..!

 

 إن مآلات التغيير في بلدان منقطعة عن النهضة ومرتهنة للموروث الديني ستكون على الأغلب في صالح الفعاليات والقوى الدينية المنظَّمة الأمر الذي يربك شرائح المتنورين كافة وعلى هذا يتكئ الإسلاميون في إجماعهم على مسألة الانتخابات التي أصبحت مطلباً أساسياً راهناً في كافة البلدان العربية..! غير أن النشاز في مقاربة هذه المسألة يتجلى في أنها أصبحت عدة شغل المؤسسات الإعلامية السعودية والقطرية بالرغم من أن قطر والسعودية لم تعرفا الانتخابات يوماً…؟ غير أن الأكثر فجوراً في هذا السياق أن تتفرغ معظم هذه المؤسسات للترويج والحشد والتحريض تحت عناوين الحرية والانتخابات وحكم العائلة مستهدفةً بلدانا بعينها وعلى رأسها  سورية. والمعروف أن البلدين المشيخيين يفتقدان أدنى معايير الهيكلية الدولتية المتعارف عليها..! فذرية الأسرة الحاكمة في كلٍ من السعودية وقطر هي المصدر الوحيد لشرعية الحكم .. والأسرة هي المالك الحصري للثروة تبددها كيفما تشاء.. والإدارة الأمريكية التي لا ترى بطبيعة الحال غير مصالحها لم تكن يوماً في وارد حسبان أي حساب للقيم  والمعايير الإنسانية التي تحفل بها شرعة ومواثيق حقوق الإنسان الدولية فيما خص هاتين الدولتين..! وعليه كيف سيجد “أوباما” وغيره من مشايخ الإدارة والكونجرس أي حرج في الحديث المتواتر عن الديمقراطية والانتخابات وتداول السلطة في دول بعينها…!؟

 

  ثم إن المضحك المبكي في هذا السياق أن إعلام السعودية وقطر يثير بسفاهة قلَّ نظيرها من حيث استغباء عقول المشاهدين والقراء قضايا الفساد في الدول الأخرى مستغلاً غباء وقلة حيلة حكام هذه الدول التي يقف إعلامها صامتاً عن قضايا الفساد الكبرى التي عرفتها السعودية وقطر..! ففي الأمس فقط، وقَّعت مؤسسة قطر برئاسة الشيخة الفاخرة “موزه ” عقد شراكة مع إدارة نادي برشلونة يمتد حتى العام / 2016 /.. ويعد هذا العقد بقيمته الإجمالية البالغة / 166 / مليون يورو أكبر صفقة في تاريخ رعاية قميص لفريق كرة قدم..! وسيربح العرب والقطريون من وراء هذا العقد رؤية عبارة ” Qatar Foundation ” على قمصان اللاعبين لا أكثر ولا أقل.. والسفاهة اللامتناهية تكمن في أن توقيت الإعلان عن توقيع العقد ترافق مع حملة تحريضية شرسة تشنها المؤسسات الإعلامية القطرية وعلى رأسها قناة الجزيرة على السلطة السورية ( قال شو يعني في سورية فساد وسرقة وقمع واستبداد وحكم عائلي) . طيب يا جماعة كل هذا صحيح..! لكن لقد قام الكتاب والمثقفون والأحزاب المعارضة بواجبهم وعملوا دوماً على كشف عورات السلطة الحاكمة ودفعوا نتيجة ذلك أثماناً باهظة سجناً وقمعاً ونفياً لكن:

 

  في سياق تثبيت الحقائق لا بد من تسجيل أن الإعلام القطري قبل انطلاق قناة “الجزيرة” كان له الريادة والسبق في فنون التلفيق والتزوير والتركيب واستخدام تقنيات التصوير ومنتجتها بصورة تخدم الهدف المنشود..! فمن المعروف أن تلفزيون قطر قام ببث صور مشايخ ووجهاء المشيخة وهم يسلمون على الشيخ ـ حمد ـ بعد منتجتها لتبدو أنها مبايعة له ليكون خلفاً لأبيه الأمير المتواجد خارج البلاد للاستجمام وذلك في العام / 1995 / فيما عرف وقتها بالانقلاب التلفزيوني..!؟ ومن الطبيعي أن تعمل قناة “الجزيرة” على نفس المنوال فكان ما عرف لاحقاً بدعارة الرأي والرأي الأخر بحيث صارت قناة الجزيرة راعيةً للديمقراطية في دنيا المشاهدين العرب..! طيب ماذا عن تاريخ أسرة ـ آل ثاني ـ المتخم بوقائع الغدر..وماذا عن فضائح العائلة التي لا تعد ولا تحصى..! وماذا عن تاريخ الشيخ ـ حمد ـ أمير قطر الحالي وهو أكبر أولاد الشيخ ـ خليفة ـ المعزول وهو الذي فشل في الحصول على الثانوية العامة.. والذي فصل فيما بعد من كلية ( ساندهيرست ) العسكرية البريطانية لعدم قدرته العقلية على إكمال مناهج الدراسة وبالرغم من ذلك منح رتبة جنرال وعين قائداً للجيش وولياً للعهد…!؟ وقناة “الجزيرة” التي شغلها الشاغل الكشف عن فضائح الفساد المستشري في الدول العربية غير معنية بحقيقة أن ( 20% ) فقط من عائدات النفط والغاز يصرف على الشعب القطري والباقي يودع في حساب الأمير الشخصي..! وهي غير معنية أيضاً بفضيحة أن للشيخ الأمير المبجَّل أمريكياً حصة معروفة في كافة المؤسسات والشركات العاملة في قطر إضافة إلى الرشاوى وعمولات صفقات السلاح والدواء وغيرها التي توزع على الأمير وأولاده وزوجاته الثلاث.

 

قبل بضعة أيام، حلَّت ذكرى النكبة، وقد انطلقت في هذه المناسبة تظاهرات العودة في عددٍ من بلدان الشتات.. وفي الوقت الذي كانت فيه قناة “الجزيرة” تذرف دموع التماسيح على مآسي الشعب الفلسطيني.. وعندما كان أطفال الشتات يصرخون: لن نبقى لاجئين.. فإن قادة قطر كانوا يتواصلون مع قادة إسرائيل لتحسين الروابط الأخوية فيما بينهم.. ومن أجل ذلك عرضوا تعويضهم عن الغاز المصري.. وتعاقدوا مع مؤسسات إسرائيل الأمنية ( الموساد وشاباك وأمان ) لحماية مونديال / 1922 / الذي سيقام في قطر مقابل / 2 / مليار دولار زائداً عمولة 5% عن كل تذكرة دخول إلى الملاعب على أن تدفع قطر مليار دولار في الحال والمليار الثاني يدفع قبل بدء دورة المباريات بثلاثة أشهر…!؟

 

وبعد لم يبق سوى أن نحيي قناة “الجزيرة” على وطنيتها المتدفقة وعشقها الأخاذ للشعوب العربية وأن ننوه تنويهاً معظَّماً بنزاهة أصحابها المشايخ وتعظيم سلام لدعاة الديمقراطية الأمريكية المشيخية النفطية.

  1. أضف تعليق

أضف تعليق